التوتر بين مصر وإسرائيل... معركة إرادات وليس "نذير حرب"https://www.majalla.com/node/309926/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%88%D8%AA%D8%B1-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D9%88%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%83%D8%A9-%D8%A5%D8%B1%D8%A7%D8%AF%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D9%84%D9%8A%D8%B3-%D9%86%D8%B0%D9%8A%D8%B1-%D8%AD%D8%B1%D8%A8
يتصاعد التوتر بين القاهرة وتل أبيب، ولكن استمرار هذا التوتر يعتمد على ما إذا كان أي من الجانبين على استعداد لتغيير سياساته أو الرضوخ لمطالب الطرف الآخر. ويعتبر هذا صراع إرادات بين خصمين سابقين يعملان معا ضمن مشهد إقليمي متغير، أكثر من كونه مشكلةً أساسية تنذر بتغير جذري في العلاقات بينهما.
وتزايدت أعراض التوتر بين الطرفين، حيث أفادت تقارير بأن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي رفض تلقي مكالمة هاتفية من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وصعّد سياسيون إسرائيليون انتقاداتهم للقاهرة بسبب ما يعتبرونه عدم تعاون من مصر في ما يخص أمن الحدود بين سيناء المصرية وقطاع غزة. أما مصر فترد بالمثل، بما في ذلك من خلال اتهام إسرائيل بالكذب في عدة قضايا، خاصة في ما يتعلق بدخول المساعدات إلى غزة وتدفق الأسلحة إلى فصائل الأراضي الفلسطينية.
وتحت هذا التوتر تكمن بعض القضايا الخلافية التي يمكن أن تحدد طريقة تعامل كل من الطرفين مع الآخر في الفترة المقبلة.
تشرف القاهرة على أمن محور فيلادلفي من الجانب المصري، في ضوء اتفاق عام 2005 مع إسرائيل
من يدير حدود غزة؟
يدور الآن نزاع بين الجانبين حول خطة إسرائيل لاحتلال محور فيلادلفي، وهو شريط من الأرض يبلغ طوله 14 كيلومترا ويمتد من البحر الأبيض المتوسط إلى الحدود بين قطاع غزة وإسرائيل، ويفصل الأراضي الفلسطينية عن مصر.
وتشرف مصر على أمن المحور من الجانب المصري، في ضوء اتفاق عام 2005 مع إسرائيل. كما سمح الاتفاق نفسه للسلطة الفلسطينية بالسيطرة على المنطقة من جهة غزة، قبل سيطرة "حماس" على القطاع الساحلي عام 2007.
ويسمح الاتفاق الذي وُقِّع بعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة، لمصر بنشر 750 عنصرا من حرس الحدود على جانبها من الحدود، مهمتهم منع التسلل والتهريب.
ورغم ذلك، مع قيام إسرائيل بتشديد الخناق حول غزة واستمرار "حماس" في شن هجمات صاروخية على إسرائيل، فإن هناك تساؤلات تثار حول مصدر إمدادات الأسلحة لهذه الجماعة الفلسطينية. إذ يعتقد بعض أعضاء مجلس الوزراء الإسرائيلي، بمن فيهم نتنياهو، أن هذه الإمدادات تأتي من مصر عبر أنفاق التهريب على الحدود مع غزة. وفي 13 يناير/كانون الثاني، وصف نتنياهو الحدود الجنوبية لغزة مع مصر بأنها "ثغرة" يجب إغلاقها.
وقد شعرت مصر بالإهانة من التصريحات في هذا الصدد. وفي 22 يناير، ألمحت إلى أن تهريب الأسلحة إلى غزة يمر عبر إسرائيل.
ويعتقد المراقبون في القاهرة أنه ومن خلال تخطيط إسرائيل لاحتلال محور فيلادلفي، فإنها تريد الاستعداد للمرحلة التالية من هجومها على غزة: أي الاقتراب من مدينة رفح جنوب قطاع غزة، بالقرب من الحدود مع مصر.
وقال سعيد الزغبي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس، لـ"المجلة": "يجب أن يكون المحور منطقة محايدة على الحدود بين مصر وغزة". مضيفا أنه "ومن خلال سيطرتها على هذه المنطقة، فإن إسرائيل ستسيطر أيضا على كل ما يمكن أن تدخله مصر إلى غزة في المستقبل، مما ينتهك السيادة المصرية".
تعتقد القاهرة أن سيطرة إسرائيل على حدود سيناء مع غزة من الجانب الفلسطيني سيضر بأمنها
مكاسب تحققت
في العقد الماضي، استثمرت مصر بشكل كبير في أمن سيناء من حيث الأرواح والأموال. ودمرت مئات من أنفاق التهريب بين سيناء وغزة، في إطار قتالها ضد فرع لتنظيم الدولة الإسلامية في شمال شرق الأراضي المصرية.
وكان إرهابيو تنظيم الدولة الإسلامية استخدموا هذه الأنفاق نفسها للحصول على إمدادات جديدة من المجندين والأسلحة من غزة.
وقُتل الآلاف من رجال الشرطة وجنود الجيش المصريين أثناء قتال إرهابيي تنظيم الدولة الإسلامية، الأمر الذي أضاف بعدا إنسانيا قيما إلى نضال مصر لجعل سيناء، المنطقة التي تبلغ مساحتها 60 ألف كيلومتر مربع، والتي تشترك أيضا في الحدود مع إسرائيل، خالية من الإرهاب.
وتعتقد القاهرة أن سيطرة إسرائيل على حدود سيناء مع غزة من الجانب الفلسطيني ستكون لها انعكاسات على الأمن في سيناء. وستعمل هذه السيطرة نفسها على فصل غزة عن مصر، الأمر الذي سيترتب عليه عواقب استراتيجية كبيرة على الدولة العربية المكتظة بالسكان. إذ تعد مصر الآن نقطة الدخول والخروج الوحيدة من وإلى غزة، خاصة مع استمرار إسرائيل في حصارها الشامل على القطاع الفلسطيني المكتظ بالسكان.
ويمنح فرض الحصار الإسرائيلي على غزة مصر نفوذا على الأفراد والجماعات في هذا الجزء من فلسطين، خاصة مع بقاء نقطتي الحدود المصرية مع غزة مفتوحتين لدخول وخروج الأفراد والبضائع في معظم الأوقات.
إلا أن السيطرة الإسرائيلية على حدود سيناء مع غزة من الجانب الفلسطيني ستجعل مصر تفقد عمليا نفوذها على الأفراد والجماعات في هذا الجزء من فلسطين. وهذا من شأنه أن يجعل مصر تفقد جزئيا أهميتها في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، الذي يشكل قضية مركزية في الشرق الأوسط اليوم.
رفض مصر إخلاء غزة سببه تخوفها من القضاء على أحلام الفلسطينيين في إقامة دولتهم
مخاوف النزوح
غضب مصر بسبب رغبة إسرائيل في السيطرة على محور فيلادلفي يزيد من مخاوفها المتعلقة بالخطط الإسرائيلية لإخلاء غزة. إذ لم تخف إسرائيل رغبتها في طرد سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، بما في ذلك إلى سيناء، منذ بدء عمليتها على الأراضي الفلسطينية أوائل أكتوبر/تشرين الأول.
وأوضحت مصر في مناسبات عديدة أنها لن تتسامح مع مثل هذا السيناريو. وينبع موقف مصر من خوفها من أن يؤدي إخلاء غزة من سكانها إلى القضاء على أحلام الفلسطينيين في إقامة دولة فلسطينية.
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد حذر في وقت سابق من أن إجبار الفلسطينيين على الخروج من غزة سيتبعه إجراء مماثل ضد سكان الضفة الغربية المحتلة، بما في ذلك إلى داخل الأردن. وقال الرئيس المصري في 18 أكتوبر في مؤتمر صحافي مع المستشار الألماني أولاف شولتز في القاهرة: "سيؤدي هذا الوضع إلى وجود شعب بلا دولة".
إلا أن هذا مجرد تفصيل جزئي لموقف مصر ضد تهجير أهل غزة. فمن الأمور المركزية في هذا الموقف أيضا عدم تسامح مصر مع التهديدات الموجهة ضد سلامة أراضيها. وكان هذا التعصب سببا في تأجيج ثلاث حروب بين مصر وإسرائيل، بما في ذلك حرب عام 1973 لتحرير سيناء من الاحتلال الإسرائيلي.
انتقد السيسي تل أبيب مرات عدة، بسبب منع دخول المساعدات الإنسانية إلى سكان غزة
كما أن مصر مذهولة من وحشية الرد الإسرائيلي على الهجمات التي شنتها فصائل غزة في 7 أكتوبر على المستوطنات جنوبي إسرائيل. وكما هو حال الناس في الشوارع، يشعر المسؤولون المصريون بالصدمة من قصف كل شيء في غزة ومقتل أكثر من 26 ألف شخص فيها حتى الآن.
وفي مناسبات عديدة خلال الأسابيع الماضية، انتقد السيسي تحويل إسرائيل غزة إلى مكان غير صالح للحياة بالنسبة لشعبها. كما انتقد تل أبيب عدة مرات، بما في ذلك آخرها في 25 يناير، بسبب منع دخول المساعدات الإنسانية إلى سكان غزة.
ويقول مراقبون إن الغضب المصري من العراقيل الإسرائيلية أمام توصيل المساعدات إلى غزة ينبع من المخاوف من تدافع سكان غزة باتجاه الحدود المصرية.
وقال أكرم بدر الدين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، لـ"المجلة": "تنظر مصر إلى هذه العراقيل على أنها حركة عدائية من جانب إسرائيل، خاصة في ظل وجود معاهدة سلام بين الجانبين". وأضاف أن "إسرائيل تحاول إجبار سكان غزة على الهروب إلى مصر، رغم أن الرفض المصري والدولي واضح تماما في هذا الصدد".
لا أسود ولا أبيض
ومن المرجح أن تستمر التصريحات التحريضية التي يدلي بها السياسيون الإسرائيليون والفظائع الإسرائيلية في غزة في إثارة الغضب في القاهرة. ولكن من غير المتوقع أن يترجم هذا الغضب إلى أي شكل من أشكال المواجهة بين الجانبين. بل يبدو أن الجانبين حريصان على الحفاظ على معاهدة السلام الموقعة بينهما عام 1979، والتي تحدد الإطار العام للعلاقات بين البلدين، خاصة فيما يتعلق بالحدود المشتركة والأمن في سيناء.
والحقيقة أن العلاقات بين مصر وإسرائيل متشابكة إلى درجة أنه لا يمكن النظر إليها من زاوية واحدة. فالبلدان يتعاونان على المستوى الأمني والاستخباراتي في سيناء وفي السياق الإقليمي الأوسع. وهما جزء من تجمع ناشئ يشبه "أوبك" لمنتجي ومستهلكي الغاز الطبيعي في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط.
وتحتاج القاهرة، الداعم القوي لحقوق الفلسطينيين في قيام دولتهم الفلسطينية، أيضا إلى الحفاظ على مستوى من التعاون مع تل أبيب من أجل تسهيل حصول الفلسطينيين على هذه الحقوق.
ومع ذلك، فإن استيلاء إسرائيل المحتمل على محور فيلادلفي سوف ينتهك اتفاق عام 2005 مع مصر ويمس بمعاهدة السلام لعام 1979 التي تنص على إنشاء منطقة منزوعة السلاح على طول الحدود الشمالية لسيناء مع إسرائيل وقطاع غزة.
ويمكن أن يمنح هذا الخرق مصر مبررا لزيادة انتشار قواتها على طول الحدود الشمالية لسيناء، الأمر الذي سيدعم سعي مصر لتعزيز الأمن في سيناء، وهو مسعى تعرقله القيود التي تفرضها معاهدة السلام على وجود القوات في هذه الأراضي المصرية.
وفي الوقت نفسه، هناك اعتقاد واضح في القاهرة بأن أيام حكومة نتنياهو أصبحت معدودة. ويُنظر إلى الحكومة نفسها في العاصمة المصرية على أنها مجموعة من المتطرفين الذين يُغرقون المنطقة في حرب واسعة ستسبب الدمار للجميع.
وهذا يعني أن العلاقات بين القاهرة وتل أبيب يمكن أن تعود إلى طبيعتها بمجرد تولي حكومة أقل تطرفا السلطة في إسرائيل أو إذا أظهرت الحكومة الحالية إرادة للتعاون وتهدئة الوضع في المنطقة.