الصحة في شمال شرقي سوريا... أرقام مرعبة وتلوث قاتل

وأصدر "مركز الفرات للدراسات الاستراتيجية" في القامشلي عام 2022 دراسة أكدت على زيادة الانبعاثات السامة في الجو ورفع معدلات تلوث الهواء وزيادة نسبة الأمراض الناتجة عنه. وأن كمية الرصاص المنبعثة من عوادم السيارات في إجمالي محافظة الحسكة لعام 2021 بلغت قرابة 890 طنا، 250 منها في مدينة القامشلي، و290 في مدينة الحسكة.
 وبلغت كمية مادة السخام في العام نفسه قرابة 250 طنا، منها 80 طنا في القامشلي و54 في الحسكة، وتوزعت بقية الكميات على باقي المناطق.

وهذه المادة تحتوي على جسيمات الكربون وتتسبب في حدوث جلطات قلبية وسكتات دماغية والسرطان، ولم تنشر أي دراسة لحساب كمية الانبعاثات الضارة في الهواء بعد ذلك التاريخ.

 رصد معد التحقيق خلال ساعات الصباح الباكر والمساء، الأجواء في مداخل ومحيط مدن: معبدة، وكركي لكي، والقامشلي، وجل أغا، والجوادية. وهي مدن تتبع لمحافظة الحسكة، حيث يُلاحظ بكل سهولة تشكل طبقات سمكية تشبه الغيوم السوداء فوق تلك المدن؛ نتيجة تصاعد عوادم السيارات ودخان الحراقات ومولدات الكهرباء العامة. 
وأصدرت "منظمة ريتش " في عام 2022 تقريرا حول الوضع الإنساني شمال شرقي سوريا أكدت فيه أن الحصول على الرعاية الصحية يشكل تحديا حقيقيا لأهالي شمال شرقي سوريا، وأن 70 في المئة من المجتمعات التي تم تقييمها لم تتمكن الأسر من الوصول إلى الخدمات الصحية في الموقع الذي تم تقييمه، فالأسر لا تستطيع تحمل تكاليف الخدمات الصحية، ولا تحصل على الرعاية الصحية، وأثرت قضايا الإمدادات الطبية على عمل مرافق الرعاية الصحية.

 تشابه وكثافة الأمراض المزمنة في عموم المنطقة 

تقاطعت وتشابهت شهادات من التقينا بهم حول انتشار الأمراض والأوبئة السارية والخطيرة في المحافظات الثلاث (الحسكة والرقة ودير الزور) والمناطق التابعة لها، بنسب متفاوتة، خاصة أمراض الرئة والكلى والكبد والأمراض الصدرية والضغط، والقصور والفشل الكلوي، وأمراض الدم والربو واللشمانيا، ومرض السكري، وحالات من الكوليرا، وكثافة في أمراض البروستاتا، وتخثر الدم لدى الحوامل، والتي تسببت في كثير من حالات الإجهاض، إضافة للعقم وأمراض القلب، وعودة "كوفيد-19" بنسب ضئيلة، والأخطر منها السرطان.

زرت الدكتور دانيش حاج إبراهيم المتخصص في أورام الدم في عيادته بالقامشلي، وقال: "النسبة التقريبية لمرضى السرطان لعموم محافظة الحسكة مقارنة بباقي الأمراض تتجاوز 9 قي المئة، وأغلب سرطانات النساء تكون في الثدي، وسرطان البروستاتا والرئة للذكور، إضافة لسرطان القولون". 

كما أكدت مصادر طبية "تجاوز عدد مرضى القلب في عموم الحسكة 3500 مريض، و10 في المئة من عموم شمال شرقي سوريا مُصابون بمرض السكري، والأخطر هو النسبة العالية لسكري الشباب ذات المنشأ العضوي، إضافة للأمراض المزمنة".

ووفقا لحديث الصيدلاني عبدلله مبروك لنا، فإن نسبة الإصابة بالسرطان في الطبقة لهذا العام بلغت "137 إصابة. ورغم عدم توافر النفط وحراقاته في الطبقة، لكن تلوث الهواء يعود لفترة حكم داعش والتي استمرت 4 أعوام، وكانت تبيع النفط الخام لبعض الأشخاص الذين كرروه بطريقة بدائية جدا، و728 إصابة باللشمانيا، شفي منها 94 حالة، و50 حالة غسيل كلى وفشل كلوي، ورغم وجود جهاز غسيل كلى لكن الغالبية العظمى تفضل التوجه صوب دمشق للتشخيص والعلاج".

وأكدت "جمعية عناية مركزة الطبية" أن "أغلب أطفال منبج في المدينة والريف يعانون من سوء التغذية"، ووصلت معدلات الإصابة بالسرطان في منبج وفقا للناشط مروان إلى "200 حالة، ورغم عدم وجود حراقات تكرير النفط، لكن الهواء غير النظيف يشكل مصدرا إضافيا لانتشار السرطان، سواء كنتيجة لمضاعفات العمل الجراحي أو أخذ علاجات لمرض ما تكون النتيجة عكسية".

وقد تواصلت "المجلة" مع محمد الهادي (68 سنة) من منبج الذي قال: "عانيت من آلام والتهابات حادة ومزمنة في الأذن الوسطى، لكن مضاعفات العلاج أدت لإصابتي بسرطان البروستاتا". وأكد مروان إصابة سيدة بسرطان الرحم على أثر خطأ طبي أثناء ولادة قيصرية وحصول مضاعفات بعد العملية وتحولها لسرطان الرحم". 

ورغم غياب الإحصائيات النهائية لمرض السرطان في كوباني، شمالي سوريا. لكنها وفقا للناشط كمال عزيز (اسم مستعار) "تصل وفقا للتقديرات إلى أكثر من مئة حالة، في حين يعاني ريفها الجنوبي من انتشار واسع لمرض اللشمانيا وتوفير قسم من اللقاحات عبر منظمة أطباء عبر العالم ومبادرة منتور لدعم أدوية ولقاحات معالجة اللشمانيا، وانتشار وباء الكبد الإنتاني".

وأخطر ما يواجه مدينة الرقة، وفقا "لجمعية عناية مركزة الطبية"، هي "الإعاقات مثل مرضى الضمور الدماغي والتي تتزايد أعدادهم نتيجة الإعاقات غير المخدمة من عيادات متنقلة، وخدمات معالجة فيزيائية ومعاينات حركية، ونقص المتابعة الطبية والتوعية الصحية ضمن الأرياف، وعدم توفر جهاز المسح الاستقلابي الخاص بالإعاقات". 
ووفقا للإحصائيات التي قدمتها الجمعية يتجاوز "عدد الإعاقات 10 آلاف إعاقة في مدينة الرقة، و3000 حالة مريض سرطان في الرقة وريفها، وأكثر من 5000 حالة مرض سكري، وأكدوا أن مخلفات الحرب أدت إلى بتر في الأطراف العلوية والسفلية لأكثر من 3600 حالة شمال شرقي سوريا، تم تركيب أطراف لقسم منهم وليس الكل".
من جهته، قال الباحث والصحافي فراس علاوي من دير الزور، إن أكبر كارثة صحية تحاصر المحافظة هي" أمراض السرطان والتي تجاوزت ألف إصابة، وجائحة اللشمانيا المنتشرة بكثرة في ريف دير الزور الشرقي وخاصة في مناطق الشعيطات وهجين ومدن الشعفة والسوسة وقرية الباغوز والتي اقترب عدد الإصابات فيها من 400 حالة غالبيتها بين الأطفال".

وقد تواصلنا مع الدكتور بكر السيد أحبش، من بلدة الصعوة غربي دير الزور الذي شدد على "أضرار ظاهرة التدخين عند الأطفال الصغار، وعدم الاستقرار في معالجة مرض الكوليرا، فهي على شاكلة هجمات تبدأ وتنتهي لتعود في الظهور ثانية بسبب تلوث المياه وعدم تعقيمه، إضافة لانتشار مرض جدري الماء وغياب المعالجات الفورية، عدا عن آلاف الإصابات بمرض سرطان الرئة والدم والكلى".

دمشق وأربيل ملجأ المرضى

"كانت المعالجات بالأشعة والأدوية الكيماوية والجرعات مجانية في دمشق، لكن توقف كل شيء مجاني، وقلت أعداد الجرعات المتوفرة، اشتريتُها من 200 دولار إلى 850 دولارا، حسب نوع الجرعة والإصابة، والمؤسف أنها بالدولار، وفي ظل غياب العلاج المجاني والمراكز المعالجة، وحدهم الأغنياء يمكنهم شراء الدواء، والفقير لا يتعالج من السرطان بسبب تكاليفه المرهقة"، وفقا لتوصيف فريد سعدون. 

وأكد فهد سليمان مرافق لمريض السرطان أن "السفر لدمشق مكلف سواء جوا التي وصل سعر تذكرة الطائرة لـــ200 دولار ذهابا وإيابا. أما برا فغالبا ما تقدم شركات النقل بطاقات مجانية للمريض، وتبلغ تكلفتها للمرافق قرابة 22 دولارا، عدا تكاليف الإقامة والمصروف في كل سفرة لدمشق لتلقي العلاج". والسفر لأربيل "أرخص من حيث المواصلات والإقامة، وأكثر أمانا، لكنها تحتاج لموافقات وروتين"، ويدخل إلى "إقليم كردستان العراق سنويا آلاف مرضى القلب والسرطان وجراحة العين والكلى"، وفقا لمصادر خاصة من معبر فيشخابور في إقليم كردستان.

 وأكدت مصادر خاصة من "مشفى البيروني" المتخصص في علاج الأورام السرطانية أن "حالتي إصابة يوميا من شمال شرقي سوريا يتم تسجيلها في سجلات المشفى وبمعدل 720 مريضا سنويا، وتسجيل 5830 حالة إصابة تلاسيميا في عموم سوريا عام 2022، قرابة ربعها من الشمال الشرقي للبلاد".

ووفق إحصائيات جمعية عناية مركزة الطبية" فإن "60 في المئة من مجمل إصابات السرطان على مستوى سوريا توجد في شمال شرقي سوريا".

أسباب متشابهة 

أكد عدد من الأطباء الذين التقيناهم أن الوضع الصحي يتوجه "صوب الانحدار والتدهور؛ بسبب تضخم نسبة انتشار الأوبئة والأمراض المستعصية. وقسم منها كان شبه منقرض في المنطقة، لكنها انتعشت لتلوث الماء والهواء، بسبب انبعاثات الغازات السامة وغياب المصافي الحديثة، وتكرير النفط بشكل عشوائي وبدائي، تجعل المادة المستخرجة محتفظة بأنواع مسرطنة من الغازات تنحل عبر المازوت والبنزين ويتم طرحها في الجو عند استعمالها، خاصة من عوادم السيارات غير المحترقة بشكل طبيعي، ودخان المولدات، وتأثيرها على كمية الأكسجين في الهواء؛ لما تحمله من كميات من الرصاص والمواد السامة وغاز النفثالين وله تأثيرات كبيرة على سرطان الدم والكلى والكبد".

وتعاني المنطقة من تأثيرات "عدم وجود مكان خاص لمشتقات ومخلفات تكرير النفط التي ترمى في أي مكان، وأحيانا تخلط مع المياه. وتفريغ النفايات من تكرير البترول في الأنهار والسواقي لسنوات طويلة تتسبب في التسرب للتربة مثل الزرنيخ والرصاص والزئبق، وبدورها تنتقل للنباتات والخضراوات".

كما أكدت مصادر طبية لنا، أن انتشار تلك الأمراض تعود أيضا "لتناول الأدوية العشوائية والأغذية غير الصحية وغير النظيفة، وتأثير مادة البلاستيك في الطعام والمياه، وزيادة المستنقعات نتيجة قلة المياه الواردة من تركيا، والتي تنتشر فيها كل أنواع الأوبئة والحشرات السامة، وغياب الرقابة الصحية على الأغذية وخاصة اللحوم والخضراوات المستوردة من دول إقليمية، وعدم معرفة نسب الهرمونات ودورها في التلوث البيئي والغذائي".

وتسبب "نقص منسوب مياه نهر الفرات وتلوث مجراه وانتشار القمامة في الطرق وعدم توفر مياه الري، في تحويل النهر لمستنقع وبيئة حاضنة لذباب الرمل". وساهم في ذلك "بؤس البنية التحتية لقطاع الصحة، وعدم وجود صرف صحي نظامي في قسم من القرى خاصة في دير الزور، وتلوث الأرض بسبب الجثث المتفسخة في كثير من المقابر الجماعية المنتشرة في قرية الباغوز والروائح الكريهة المنبعثة منها"، وهي جثث بالآلاف "دفنها تنظيم داعش على عجل أثناء المعارك مع (قسد)، ولا توجد إحصائية رسمية لعدد الجثث ولا لجنسياتها رغم إزالة قسم منها وتتسبب أيضا في الأمراض الجلدية والتنفسية".

إحصائيات طبية وغياب نظام الرعاية الصحية

تحتوي الحسكة على تسعة مستشفيات و50 مستوصفا عاما، في عموم المحافظة، تقول الإدارة الذاتية إنها تقدم الخدمات المجانية أو شبه المجانية بأسعار منافسة، لكن نشطاء أكدوا لـ"المجلة" أن "عملها يقتصر على الخدمات البسيطة كالإسعافات وغياب أغلب أصناف الأدوية، وغياب العمليات القيصرية في أغلب المراكز العامة، وفقدان المحافظة لمركز معالجة السكر ورعاية المرضى، وأجهزة الكشف المبكر عن سرطان الثدي، ومركز وافٍ لغسيل الكلى. ومع تقديم مشفى القلب والعين التابع للإدارة الذاتية خدمات جراحية بأسعار منافسة جدا للمشافي الخاصة، لكنها تعاني من أعطال أجهزتها الطبية دوما، وتهريب بعض الأطباء لمرضاهم إلى العيادات والمشافي الخاصة". 
ويزيد "عدد المشافي الخاصة على 28، والمستوصفات قرابة 10، ينتشرون في المدن والمراكز الرئيسة لمحافظة الحسكة، ويشكو الأهالي من غياب الرقابة على أسعار الأدوية ضمن صيدليات المشافي والمبيت والعمليات الجراحية مثل القيصرية التي يتراوح سعرها من 200-400 دولار حسب المشفى". 
ورغم وجود أعداد جيدة من الكادر المتخصص، لكن ارتفاع أجور المعاينات أرهقت الأهالي والتي تتراوح بين 2-5 دولارات، مع تفضيل مرضى السرطان والقلب التشخيص والعلاج في أربيل أو دمشق، بسبب خبرة الأطباء وحداثة أجهزتهم هناك.

منبج- الطبقة- كوباني

وأكد الناشط مروان من منبج لنا، وجود "مشفى الفرات الوطني وخمسة مستوصفات مجانية، لكن يقتصر دورها على تقديم الخدمات الإسعافية المجانية لبعض الأمراض الخفيفة العارضة ولقاحات الأطفال المجانية". 

ورغم وجود عشرة مستشفيات خاصة لكن عملها ينحصر في علاجات الأطفال والكسور الخفيفة والولادات القيصرية، مع ارتفاع ضخم في أسعارها، وأبسط عملية جراحية مثل الزائدة تزيد كلفتها على 200 دولار، مع غياب الإمكانيات الطبية للأمراض المزمنة والكسور الناتجة عن الحوادث الخطيرة". 

وفي حديثه لنا، يقول الصيدلاني عبدالله مبروك من مدينة الطبقة إن "المشفى الوطني في الطبقة يحتوي على جهاز ماموغرافي الخاص بالتشخيص المبكر لسرطان الثدي والمتابعة الدورية للنساء، وافتتح قرابة 13 مركزا طبيا في الريف والمدينة تقدم قسما من الخدمات، وتم تفعيل أغلب أجنحة المشفى الوطني".

وقد توجهت "المجلة" صوب كوباني/عين العرب، والتي أفاد الناشط كمال عزيز بأنه "يوجد في المدينة مشفى حكومي واحد، ومشفى أيغور المخصص لأمراض النساء، ومشفى الأمل الخاص، وعدد من المستوصفات". مع تأكيد الجميع على نقص الأدوية والمعدات الطبية والكوادر المتخصصة، وغياب الخدمات الضرورية الواجب تقديمها للمرضى واقتصار دورها على الأمراض البسيطة والخفيفة".

الرقة

وفقا لــــ"جمعية عناية مركزة الطبية"، توجد "ثلاثة مستشفيات تابعة للإدارة الذاتية تضم الكثير من الأقسام. ويقتصر عمل المستوصفات التي تزيد على 10 وبعض النقاط الطبية في كثير من مناطق الريف، على المعاينات وتدبير حالات إسعافيه وأدوية لكنها غير متوفرة من حيث الكم أو الكيف، والأغرب هو وضع مستوصفي الريف الجنوبي للمدينة دون أطباء وافتقادهما للخدمات".
ووفقا للجمعية التي وصفت وضع المشافي الثمانية الخاصة، فإن "أسعار معالجاتها وأدويتها خاصة القسطرة القلبية والعنايات والمبيت، مرتفعة بشكل لا يتمكن الفقراء من المعالجة فيها، ويتم تحويل مرضى السل إلى منطقة السبخة التابعة للحكومة السورية، لتلقي العلاج". 
وأضافت الجمعية أن "واقع الخدمات المقدمة في الرقة لا يُناسب الكثافة السكانية التي تعاني منها بسبب النزوح من باقي المحافظات، والعاملين في القطاعات العامة والخاصة. وانتشار الفساد والمحسوبية بالقطاعات الصحية العامة، وغياب الرقابة على عمل المشفى الوطني والمشافي الخاصة وأسعارها العالية في مجملها، إضافة لتعطل الجهاز المجاني الوحيد للتصوير الطبقي المحوري في الرقة والموجود في المشفى الوطني، وعدم بذل مديرية الصحة التابعة للإدارة الذاتية أي جهود لإصلاحه، وللأسف وجدت بعض الأمراض المنقرضة كالملاريا والسل في بعض الحالات وبعض الأمراض الجلدية، خاصة في الصيف، بسبب تلوث المياه".

دير الزور

تؤكد إحصائية الدكتور عبد الرحمن علي من دير الزور وجود تسعة مستشفيات عامة خمسة منها مدعومة من المنظمات، و13 مستوصفا عاما، سبعة منها تتلقى الدعم، و21 مستشفى خاصا".

وأضاف فراس علاوي أن واقع الصحة "يختلف حسب توزع مناطق السيطرة، فهي سيئة في مناطق سيطرة القوات الحكومية من حيث عدد المراكز والأطباء وقلة التخصصات النادرة، بسبب الفقر والوضع الأمني، لكنها أفضل نسبيا في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية، ومع ذلك يوجد نقص في التجهيزات والأدوات الطبية والأدوية النوعية واللقاحات". 

وقال الدكتور بكر السيد لـ"المجلة" إن المحافظة "تفتقد لعمليات القسطرة القلبية وعلاجات أمراض وجراحة العين، مع توافر نسب قليلة لجراحة أمراض الأطفال، وقلة عدد سيارات الإسعاف، وعدم تأمين كميات الأكسجين اللازمة".

 ووفقا لما قاله فريد سعدون، "لا توجد منظومة صحية لحماية الناس من تلك الأمراض في ظل غياب اللقاحات والتطعيم. ويتسبب التلوث البيئي في أمراض مناعية كثيرة ومفاقمتها، والسرطان يتغذى على ضعف المناعة، وسابقا كانت الدولة تملك شركات خاصة لمعالجة الغازات والنفايات النفطية، حاليا لا توجد معالجة مصدر السرطانات من الانبعاثات الضارة".

الاحتياجات مشتركة ومتشابهة 

وأكد الأطباء والنشطاء لنا على حاجة القطاع الطبي بشكل عاجل "للكوادر والمراكز والمشافي المتخصصة في التشخيص والتشريح المرضي الدقيق للأمراض الخطيرة، كمراكز معالجة الأورام السرطانية وجرعاتها المجانية، والأمراض المزمنة كالتليف الرئوي والأمراض الصدرية- آفات قلبية- ومركز القسطرة القلبية المجانية، والربو، والضغط، والقصور الكلوي، والتحاليل الطبية الهرمونية، ومعالجة مرضى السكري، وتوفير كميات من الأنسولين، وأمراض الأطفال الذين يحتاجون لمتابعة طبية، وعمليات القلب الجراحية. وجائحة اللشمانيا، والأدوية المجانية لجميع تلك الأمراض، وغياب المطلوب، هو ما يدفع بالغالبية العظمى من الأهالي إلى التوجه صوب دمشق وتحمل التكاليف الباهظة للعلاج". 

وضع طبي مشابه في المخيمات

وحول الواقع الصحي في المخيمات، قال الدكتور خليل خلو، صيدلاني في "مخيم الطلائع" بالحسكة: "أغلب المخيمات تتشابه من حيث الأوبئة والأمراض المنتشرة خاصة اللشمانيا والجرب. وفي ظل الارتفاع الكبير لأسعار الأدوية القادمة من دمشق بنسبة من 70-100 في المئة من السعر الحالي، يضاف إليها 28 في المئة من قيمة الدواء، كأجور شحن، فإن الوضع يُصبح كارثيا، رغم تأمين مستوصفات الهلال الأحمر الكردي لقسم منها، لكنها لا تسد الحاجة كاملة". 

ويتأسف دكتور دانيش على واقع الجرعات السرطانية وأسعارها، "فهي ذات منشأ تركي وهندي وبأسعار مرتفعة جدا في نوعها المناعي، وأقل تكلفة من المعالجات الكيماوية، وغير متوفرة دوما، لذا فإن معظم المرضى يتعالجون في مشافي دمشق، خاصة الأطفال المصابين بأمراض الدم يتعالجون بالمجان في دمشق، في حين أن مركز معالجة الأورام في القامشلي يقتصر حاليا على السيرومات ويفتقد للجرعات". وهو ما أكده بيان الهلال الأحمر الكردي من أنهم "سيتواصلون مع المنظمات الدولية، بهدف تقديم المساعدات الطبية لمرضى السرطان مجانا".

ولم نتلق أي رد من الجهات التي تواصلنا معها مثل الهلال الأحمر الكردي، وهيئة الصحة في إقليم الجزيرة، وهيئة الصحة شمال شرقي سوريا. لكن المنصات الإعلامية لـ"الهلال الأحمر" تقول إنها "تقدم الخدمات والرعاية والأدوية والمعالجات الفيزيائية، وتركيب الأطراف الصناعية، وأنها قدمت الخدمات لأكثر من 1.5 مليون مستفيد، في 54 نقطة طبية. وتؤمّن هيئات الصحة أجهزة التصوير الطبقي المحوري والرنين المغناطيسي بأسعار منافسة للقطاع الخاص، ومراكز لغسيل الكلى، والكثير من النقاط والمستوصفات الطبية والمشافي العامة شبه المجانية، فيما تشكو جميع الجهات الطبية في الإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا من نقص الخدمات والمساعدات المقدمة لهم من الجهات الدولية على اختلاف تسمياتها".