بتاريخ 6 ديسمبر/ كانون الأول 2023، وافقت اللجنة الحكومية الدولية لصون التراث الثقافي غير المادي لمنظمة اليونيسكو، في إطار دورتها 18 المنعقدة بجمهورية بوتسوانا، على طلب المملكة المغربية المتعلق بإدراج فن "الملحون" في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي الإنساني غير المادي. هذا الإدراج المهمّ يعد اعترافا دوليا بإرث شعري مغربي أصيل، ورافدا مهما من الروافد الفنية الغنية، ومكوّنا مرجعيا من مكونات الهوية الثقافية المغربية.
هكذا، اختار موقع اليونسكو أن يعرّف فن الملحون باعتباره شكلا شعبيا من أشكال التعبير الشعري في المغرب، يُغنَّى مصحوبا بالموسيقى التي تعزف على الآلات التقليدية، مثل العود والكمان والرباب والطبول الصغيرة، وهو ما زال يؤدّى اليوم في العديد من الأماكن بالمغرب، من التجمعات العائلية إلى قاعات العرض الكبرى، بما في ذلك مهرجانات الملحون. إنه فن جماعي يعزز التماسك الاجتماعي والإبداع ويقدم شهادة تاريخية حول القضايا الاجتماعية عبر القرون.
نشأ فن الملحون -كما أورد ذلك أحمد سهوم في كتابه" الملحون المغربي"- في منطقة سجلماسة وتافيلالت، جنوبي المغرب، ثم نما في مراكش وفاس ومكناس وسلا، أي في مواقع تمركز الصناعة التقليدية. ولذلك نجد أن معظم شعرائه وشيوخه كانوا من أهل الحرف والصناعات وخصوصا الدرازة والخياطة والخرازة وغيرها. وعلى الرغم من أن نصوص واصطلاحات الملحون ارتبطت بمناخ الحرف التقليدية في المغرب، فقد عرف تاريخ نظم الملحون شعراء من غير أوساط العامة والحرفيين، بل كان من مبدعيه فقهاء ومثقفون، وحتى بعض سلاطين الدولة العلوية مثل السلطان مولاي حفيظ. ومع ذلك، لم يُعرف أن أحدا ممن نظموا في الملحون دوّنوا قصائدهم أو أوصوا بتدوينها -ماعدا حركة التدوين التي عرفت في العهدين العلوي والسعدي من قبل مثقفي هذه المرحلة وفقهائها ووجهائها الذين كانت لهم صلات وثيقة بالكتابة، مع أن الأمر لم يكن منظما- بل إنها انتقلت عبر الصدور إلى أن بدأت حركة التسجيل الإذاعي والبحث الكتابي في هذا التراث خلال القرن العشرين.