"إعادة تشكيل باكستان"... رؤية نواز شريف تحظى بدعم واسعhttps://www.majalla.com/node/309896/%D8%A8%D8%B1%D9%88%D9%81%D8%A7%D9%8A%D9%84/%D8%A5%D8%B9%D8%A7%D8%AF%D8%A9-%D8%AA%D8%B4%D9%83%D9%8A%D9%84-%D8%A8%D8%A7%D9%83%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D9%86-%D8%B1%D8%A4%D9%8A%D8%A9-%D9%86%D9%88%D8%A7%D8%B2-%D8%B4%D8%B1%D9%8A%D9%81-%D8%AA%D8%AD%D8%B8%D9%89-%D8%A8%D8%AF%D8%B9%D9%85-%D9%88%D8%A7%D8%B3%D8%B9
إسلام آباد- يشرع نواز شريف، رئيس وزراء باكستان السابق المنتخب ثلاث مرات، في مهمة لتحويل البلاد، أطلق عليها اسم "إعادة تشكيل باكستان". وبينما تستعد البلاد لإجراء الانتخابات العامة يوم 8 فبراير/شباط 2024، يتنقل السياسي البالغ من العمر 74 عاما عبر باكستان، ويخاطب تجمعات انتخابية ضخمة لحشد الدعم لحزبه.
ويبدو أن خطة شريف الطموحة لتحويل باكستان إلى قوة اقتصادية في آسيا تلقى صدى طيبا لدى الرأي العام، مما يشير إلى ارتفاع محتمل في حظوظه السياسية.
لا يزال شريف، المعروف بمرونته وإصراره، قوة مهيمنة في المشهد السياسي الباكستاني. وعلى الرغم من التحديات التي يواجهها من الجيش الباكستاني القوي، فقد ظل دوما شخصية مركزية في الحياة السياسية الباكستانية. وقد اتسمت فترة ولايته كرئيس للوزراء بالخلافات والفضائح، وحتى بالإقالة القسرية، غير أن شريف عاد مرارا متحديا التوقعات.
وفي ولايته الأخيرة، أدى اتهامه بالفساد إلى إدانته، وفي ولايتيه السابقتين، أطاحت انقلابات العسكر به. واعتقد كثيرون أن نواز شريف بات من بقايا الماضي، ولكن مرة أخرى، ها هو على وشك أن يعود عودة مميزة، متحديا التصور بأنه خصم الجيش الباكستاني القوي.
ويعترف حتى ألد خصومه بأنه مرشح قوي لمنصب رئيس الوزراء، في وقت يقبع فيه عمران خان، منافسه الرئيس ورئيس الوزراء السابق، في السجن حاليا، بعد إدانته في قضايا فساد. ولكن حتى لو كان خان حرا فإن شعبية شريف تشير إلى تمتعه بفرصة قوية للعودة إلى السلطة.
شهدت فترات حكمه السابقة كرئيس للوزراء إصلاحات اقتصادية كبيرة، بما في ذلك إطلاق الممر الاقتصادي الصيني- الباكستاني
رحلة سياسية حافلة ومتقلبة
مع أن شريف تولى منصب رئيس الوزراء ثلاث مرات، فإنه لم يتمكن من تحقيق حلمه بالكامل في تحويل باكستان إلى قوة اقتصادية، إذ واجه عوائق مختلفة. بدأت رحلته السياسية التي اتسمت بالصعود حينا والهبوط حينا عام 1990، حينما قاد التحالف الديمقراطي الإسلامي المحافظ وأصبح رئيس وزراء باكستان الثاني عشر.
بعد الإطاحة به عام 1993، شغل شريف منصب زعيم المعارضة حتى عام 1996. وعاد إلى رئاسة الوزراء عام 1997، ولكن انقلابا عسكريا أطاح به مرة أخرى عام 1999. عاد بعد سنوات من المنفى إلى السياسة عام 2011 وقاد حزبه إلى النصر عام 2013. إلا أن فترة ولايته قطعت عام 2017 بسبب قضية أوراق بنما، مما أدى إلى رفع الحصانة عنه وسجنه.
وفي تحول كبير للأحداث، برأت المحكمة العليا في إسلام آباد في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 نواز شريف من التهم المتعلقة بشراء عقارات في العاصمة البريطانية لندن، مما سمح له بالعودة الى الساحة السياسية بحيوية متجددة. ويقوم شريف حاليا بحملة انتخابية نشطة في سياق الانتخابات البرلمانية المقبلة يوم 8 فبراير 2024.
لوم المنافسين على عدم الاستقرار الاقتصادي
وسط عدم الاستقرار الاقتصادي في باكستان، يلقي شريف اللوم بمهارة على منافسه عمران خان ويحمل المتعاطفين معه داخل الجيش القوي مسؤولية الوضع غير المستقر في البلاد. وإذ يقدم شريف نفسه كزعيم متمرس يتمتع بسجل حافل في تولي رئاسة الوزراء ثلاث مرات، يتعهد شريف بتحقيق استقرار الاقتصاد وقيادة باكستان لتتجاوز هذه الأوقات الصعبة.
وتعهد شريف بإنعاش الاقتصاد الباكستاني لا يتردد صداه بين أنصاره فحسب، بل يحظى أيضا باهتمام المؤسسة العسكرية. فقد شهدت فترات حكمه السابقة كرئيس للوزراء إصلاحات اقتصادية كبيرة، بما في ذلك إطلاق الممر الاقتصادي الصيني- الباكستاني، وهو مشروع بمليارات الدولارات أدى دورا محوريا في تحديث البنية التحتية في باكستان.
ومع ذلك، يرى منتقدوه أن عليه معالجة القضايا الملحة داخل حزبه، ولاسيما المتعلقة بالسياسات الاقتصادية التي يوجه لها اللوم بأنها تسببت في الأزمة الحالية. وعلى الرغم من التحديات، يظل شريف واثقا من قدرته على قيادة حزبه خلال الأوقات المضطربة.
مكانته وعلاقاته الدولية
بينما يواجه سكان باكستان البالغ عددهم 240 مليون نسمة صعوبات اقتصادية، يبرز شريف بوصفه المرشح المفضل لتحقيق الاستقرار والخبرة والانتعاش الاقتصادي. كما أن شبكة علاقاته الواسعة، بما في ذلك علاقاته القوية مع المملكة العربية السعودية وعلاقته الودية مع حزب "بهاراتيا جاناتا" الهندي وعلاقاته المؤثرة داخل حكومة طالبان، كل هذه العلاقات تمنح شريف موقعا استراتيجيا على الساحة الدولية.
وبينما يعطي الناخبون الأولوية للتخفيف من الفوضى السياسية والتضخم والانكماش الاقتصاديين والتهديدات الأمنية، فإن تجربة شريف ووعوده بالتجديد الاقتصادي تجعل منه خيارا مقنعا. وأيا كان رئيس الوزراء المقبل، شريف أو غيره، فسيرث قائمة كبيرة من المهام التي ينبعي عليه القيام بها، الأمر الذي يعكس الحاجة الملحة إلى معالجة الهموم الوطنية الحرجة.
يعمل شريف على حشد الحلفاء، ويتميز فريقه بالخبرة ودعم المؤسسة العسكرية
دعم الجيش... تحدٍ تاريخي
إن مسألة دعم الجيش الباكستاني لشريف، الذي يتعارض معه تاريخيا، تتسم بأهمية كبيرة. ويشير المراقبون إلى أن غياب البدائل الحقيقية قد يدفع الجيش إلى دعم شريف بحذر، وينظر إليه على أنه حل محتمل لأزمة البلاد. كما يرى المراقبون أنه لا ينبغي النظر إلى عودة شريف كصفقة مع الجيش، بل كجهد حقيقي لقيادة باكستان في هذه الأوقات الصعبة.
ويؤكد مستنصر عباس، الخبير في الشؤون العسكرية المقيم في إسلام آباد، أن عودة شريف تعني اعترافا عمليا من الجيش بإمكانات شريف القيادية. كما يشير مستنصر إلى أن قدرة شريف على إخراج البلاد من الأزمة تتوافق مع تطلعات الأمة، وتتجاوز الصراعات التاريخية مع الجيش.
كما يرى المنتدى الاقتصادي العالمي أن الخلفية التعليمية لنواز شريف ومسيرته السياسية تنعكسان في التزامه بالقيم الديمقراطية والإصلاح الاقتصادي والاستقرار الإقليمي. وبينما يعمل شريف على حشد الحلفاء الشعبيين والسياسيين، فإن فريقه الذي يتميز بالخبرة، مشفوعا بدعم من المؤسسة العسكرية، قد يمهد الطريق بالفعل أمام النهضة المنتظرة التي تنشدها باكستان.
رؤية نواز شريف للصعود الاقتصادي تتجاوز الوعود الانتخابية، وترتكز على سجل حافل من الإنجازات
الإنجازات الاقتصادية في عهد نواز شريف
وفي الختام، فإن سعي نواز شريف لإعادة تشكيل باكستان كقوة اقتصادية يقف عند منعطف حاسم. وفيما تواجه البلاد تحديات على جبهات متعددة، فإن قيادة شريف، في حال فوزه، يمكن أن تشكل مسار المستقبل لباكستان. أما إن كان قادرا على تأمين الدعم المطلوب والتعامل مع القضايا الحزبية الداخلية وتأمين الدعم العسكري فذلك ما ستكشفه لنا الأيام، مع أن عودته إلى الواجهة السياسية تشير إلى نقطة تحول محتملة في المشهد السياسي المعقد في باكستان.
وعند التأمل في الولاية السابقة لحزب "الرابطة الإسلامية الباكستانية- جناح نواز"، من المهم أن نلحظ الإنجازات الكبيرة التي تحققت تحت قيادته. فعندما تولى هذا الحزب السلطة عام 2013، كانت باكستان تواجه تحديات كبيرة، بما في ذلك آثار الحرب على الإرهاب وانقطاع الكهرباء على نطاق واسع وندرة الغاز الطبيعي. وقد تفاقم الوضع بسبب الإدارات السابقة، مصحوبا بأزمة انقطاع الكهرباء التي تعزى إلى إهمال الدكتاتور العسكري السابق برويز مُشرّف للبنية التحتية للطاقة.
وقد تعاملت حكومة شريف مع هذه التحديات على نحو فعال ومباشر. وبحلول عام 2018 انخفض معدل انقطاع الكهرباء وتوفر الغاز بشكل كبير، كما عولجت مشكلة حرب العصابات في كراتشي على نحو فعال. وبالإضافة إلى ذلك، أكملت إدارة شريف التعداد السكاني الذي طال انتظاره، وحلت مشكلة إدراج المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية ومنطقة باتا في مقاطعة خيبر بختونخوا، كما حققت تقدما ملحوظا في تطوير البنية التحتية.
ومن بين المعالم الاقتصادية البارزة، أضاف حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية إلى شبكة الطرق السريعة أكثر من 10 آلاف كيلومتر، وضخ 11500 ميغاواط من الكهرباء في الشبكة الوطنية، اعتمادا على مصادر متنوعة، كما أدى دورا محوريا في تطوير الممر الاقتصادي الصيني- الباكستاني، وهو مكون رئيس من مبادرة الحزام والطريق الصينية. وعلى الرغم من هذه الإنجازات، أدى التغيير اللاحق في الحكومة إلى تباطؤ تقدم الممر الاقتصادي الصيني- الباكستاني.
وفي الختام، فإن رؤية نواز شريف للصعود الاقتصادي في آسيا تتجاوز الوعود الانتخابية، فهي ترتكز على سجل حافل من الإنجازات والالتزام بالتصدي للتحديات التي تواجهها باكستان. وبينما يتوضح المشهد السياسي، ينتظر عامة الناس نتائج الانتخابات ويتوقعون إعادة تشكيل باكستان المحتملة تحت قيادة نواز شريف.
يلتزم حزب "الرابطة الإسلامية" بمواءمة الأجور العامة مع التضخم وتحقيق نمو في الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 6.0 في المئة
برنامج انتخابي طموح
بينما تستعد البلاد لإجراء الانتخابات المقررة في 8 فبراير، كشف نواز شريف عن البرنامج الانتخابي لحزبه السياسي، "حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية- جناح نواز" الشهر الماضي في 27 يناير/كانون الثاني 2024، وتعهد فيه بمعالجة التضخم، وتعزيز التجارة بزيادة الصادرات، وتعزيز العلاقات السلمية مع الدول المجاورة.
ويهدف البرنامج الانتخابي الطموح للحزب، إلى خفض التضخم ليصبح رقما واحدا خلال عام واحد. بينما الهدف خفضه إلى حد كبير بحيث يصبح 4-5 في المئة على مدى خمس سنوات. كما يحدد البرنامج خططا لزيادة صادرات باكستان السنوية إلى 60 مليار دولار في غضون خمس سنوات وتعزيز تحويلات العاملين في الخارج إلى 40 مليار دولار سنويا.
أما في السياسات الاقتصادية فيلتزم الحزب بمواءمة الأجور العامة مع التضخم وتحقيق هدفه في نمو الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 6.0 في المئة خلال ثلاث سنوات من توليه مسؤوليات الحكومة.
وفي تناوله لقضية الطاقة بأسعار معقولة، يوضح البرنامج التزام الحزب بخفض فواتير الكهرباء بنسبة 20 إلى 30 في المئة، وتوليد 15 ألف ميغاواط إضافية وتقديم إعانات الدعم للمزارعين والمعوزين.
وفي العلاقات الدولية، يتعهد الحزب بتعزيز العلاقات مع الصين والدفع قدما بالمرحلة التالية من الممر الاقتصادي معها، الذي تبلغ تكلفته مليارات الدولارات. ويتخذ البيان موقفا حازما من الهند، معلنا أن تطبيع العلاقات لا يمكن أن يحدث حتى تتراجع نيودلهي عن التدابير الأحادية التي اتخذتها في 5 أغسطس/آب 2019. ويؤكد الحزب على بناء علاقات قائمة على الاحترام المتبادل والرؤية المشتركة للاستقرار الإقليمي والنمو الاقتصادي.