بات الشرق الأوسط بمثابة منطقة تقاطع نيران، بالصواريخ والمدافع والطائرات المسيرة، علما أن نقطة التقاطع تلك تتمحور بشكل رئيس حول أدوار كل من إسرائيل وإيران، وكذلك حول مكانة وسياسة الولايات المتحدة، على الصعيد الإقليمي.
في هذا الوضع تواصل إسرائيل، من جهتها، حرب الإبادة التي تشنها ضد الفلسطينيين في غزة، لليوم الخامس عشر بعد المئة، من دون إبداء رغبة بوقف الحرب، التي شردت مليونين من الفلسطينيين، ودمرت عمرانهم. من جهة أخرى، ثمة قصف متبادل ومستمر بين "حزب الله" في لبنان وإسرائيل، رغم الالتزام بقواعد محددة، لكن لا أحد يضمن عدم تحوله إلى حرب، بمعنى الكلمة، من الطرفين. أيضا، "أنصار الله" الحوثيون في اليمن، يقصفون إسرائيل، ويهددون الملاحة في البحر الأحمر، في تصعيد واسع للصراع، في حين تقوم قوات "الحشد الشعبي" العراقية بقصف قواعد أميركية في العراق وسوريا، علما أن كل تلك القوى تشتغل كأذرع إقليمية لإيران، التي بادرت هي أيضا إلى قصف مواقع اعتبرتها إسرائيلية في العراق.
من ذلك يبدو أن إسرائيل وإيران، هما المعنيتان مباشرة بالحرب، كل لأهدافه. فإسرائيل، في ظل حكومة نتنياهو- سموتريتش- بن غفير، تعتقد أن هذه فرصتها لشطب الفلسطينيين من الخارطة السياسية، وفرض هيمنتها من النهر إلى البحر، بما في ذلك على غزة، مع التخفف من جزء كبير من سكانها (2.3 مليون فلسطيني) بشكل طوعي أو قسري (شارك 11 وزيرا من حكومة نتنياهو في الاجتماع التحريضي يوم 28 يناير/كانون الثاني في القدس لإعادة الاستيطان في غزة).
وكانت حكومة نتنياهو قد اختصرت الصراع مع الفلسطينيين بإنهاء وجود "حماس"، وتحرير المحتجزين الإسرائيليين، في حين استهدفت في حربها فلسطينيي غزة بوجودهم، وبتدمير كل مقومات الحياة لهم، وما زالت ترفض وقفا نهائيا لحربها تلك، وإخراج جيشها من القطاع، كما تطالب "حماس"، مقابل الإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين، لديها، وتحرير الأسرى الفلسطينيين لدى إسرائيل.
طبعا ثمة عوامل عدة تفسر هذا الموقف ضمنها شعور إسرائيل بضرورة استعادة صورتها كدولة رادعة في المنطقة، إزاء مختلف الأطراف، وإزاء الإسرائيليين أنفسهم، كما يأتي ضمن ذلك شعور نتنياهو- الذي احتل أكثر من أي شخص موقع رئاسة حكومة إسرائيل، منذ إقامة هذه الدولة- بأن أي صفقة لا تتضمن تطويع الفلسطينيين، وشطب فكرة الدولة الفلسطينية من جدول الأعمال، وهزيمة "حماس"، تعني حتما سقوطه، ونهاية زمنه السياسي.