مقتل الجنود الأميركيين في الأردن تصعيد إيراني متعمدhttps://www.majalla.com/node/309656/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D9%85%D9%82%D8%AA%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%86%D9%88%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%83%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B1%D8%AF%D9%86-%D8%AA%D8%B5%D8%B9%D9%8A%D8%AF-%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D9%85%D8%AA%D8%B9%D9%85%D8%AF
كانت حتمية التصعيد موضوعا للنقاش بعد سلسلة من الأحداث. فمنذ منتصف أكتوبر/تشرين الأول من العام السابق، شن وكلاء مرتبطون بإيران 165 هجوما على القواعد الأميركية في العراق وسوريا، ولم تسفر جميعها عن أي وفيات مباشرة. بيد أن هذا النمط تغير بشكل درامي هذا الأسبوع، حين استهدفت غارة بطائرة دون طيار مهاجع الجنود في "البرج 22"، وهي قاعدة أميركية شمال شرقي الأردن بالقرب من الحدود السورية، ما تسبب في مقتل ثلاثة جنود وإصابة أكثر من 30 آخرين، في حادث هو الأخطر بالنسبة للقوات الأميركية منذ تزايد الأعمال العدائية، وهو ما يمثل تصعيدا كبيرا.
هذه المرة، فشلت الدفاعات الجوية الأميركية في إنقاذ الموقف ومنع وقوع إصابات بين الأميركيين، ولم يواتهم حظٌ كما حدث في المرات الـ164 السابقة، أو هذا هو التحليل الذي سيُقَدم على الأقل. إلا أن توقيت الهجوم وموقعه يشيران إلى احتمال أنه لم يكن مجرد "حادث عرضي"، بل كان جهدا متعمدا من جانب إيران لتصعيد التوترات في المنطقة.
وحتى من دون النظر إلى العدد الكبير من الضحايا الذين تكبدتهم القوات الأميركية، فإن هذا الهجوم يعتبر مهما ومختلفا عن الأنماط السابقة. ويرجع ذلك أولا وقبل كل شيء إلى الموقع؛ فبينما نُفذت جميع الهجمات المرتبطة بإيران ضد القوات الأميركية في سوريا والعراق، نُفذ هذا الهجوم في الأردن. وتقع القاعدة التي هوجمت (البرج 22)، في منطقة استراتيجية، بالقرب من الحدود مع العراق وسوريا.
طهران تتطلع إلى بناء ممر بري يمتد من العراق إلى البحر الأبيض المتوسط
ويعمل هذا الموقع على دعم العمليات الأميركية جنوبي سوريا، من بين عمليات أخرى، بما في ذلك تلك المنطلقة من قاعدة التنف، وهي قاعدة أخرى تقع في منطقة استراتيجية. وعلى الرغم من أن "البرج 22" والتنف صُمما في الغالب كجزء من مهمة مكافحة "داعش"، فإنهما كانا شوكة في خاصرة إيران، خاصة وأن طهران تتطلع إلى بناء ممر بري يمتد من العراق إلى البحر الأبيض المتوسط (وعبر سوريا). وتقع منطقة التنف على الطريق المباشر بين بغداد ودمشق. ودفعت البلاغات المتكررة عن هجمات ضد موقع التنف الولايات المتحدة إلى إنشاء منطقة عازلة فعلية حول القاعدة. وتتطلع إيران إلى إخراج القوات الأميركية من سوريا ككل، ولكنها تتطلع إلى إخراجهم من هذه المنطقة بالتحديد. وقبل أيام قليلة من الهجوم، زعمت التقارير أن الولايات المتحدة تدرس فكرة الانسحاب من تلك المنطقة.
ولكن هذه المرة، ذهب وكلاء إيران إلى ما هو أبعد من ذلك، فلم يستهدفوا قاعدة التنف فحسب، بل قاعدة دعمها الواقعة شمال شرقي سوريا أيضا. فقبل ساعات فقط من تأكيد الولايات المتحدة أنباء الهجوم ومقتل ثلاثة جنود أميركيين، أعلنت "المقاومة الإسلامية في العراق" (وهي مظلة تضم ميليشيات عراقية مدعومة من إيران) مسؤوليتها عن هجوم مزدوج على التنف ومخيم الركبان. ويشير هذا إلى أن الهجوم على "البرج 22" كان متعمدا: فالطائرة المسيرة الإيرانية الصنع التي ضربت المهاجع الأميركية لم "تخطئ هدفها" وتصيب القاعدة الواقعة في منطقة صحراوية عن طريق الخطأ. بل كان هذا تصعيدا متعمدا، يهدف إلى إرسال رسالة للولايات المتحدة، وسط تصاعد التوترات الإقليمية.
وقبل أيام قليلة، قام وكلاء إيران أيضا بتصعيد الموقف من خلال إطلاق وابل من الصواريخ الباليستية وغيرها من المقذوفات على قاعدة عين الأسد غربي العراق. وتستضيف هذه القاعدة قوات أميركية، وسبق لها أن تعرضت للهجوم مرات عديدة. ولهذا السبب لم يحظ الهجوم الأخير بالقدر الكافي من الاهتمام كما ينبغي.
في الواقع، لم يكن هذا هجوما "روتينيا" بالصواريخ أو الطائرات المسيرة، بل كان من الصعب جدا إحباطه دون استخدام العشرات من صواريخ باتريوت الاعتراضية، إذ استُخدمت في هذا الهجوم صواريخ باليستية أكثر قوة. وبشكل ما، كان ذلك الهجوم أقرب بكثير إلى الهجوم الإيراني على القاعدة عام 2020، والذي جاء ردا على مقتل قاسم سليماني، منه إلى النمط السائد سابقا للهجمات الصغيرة. وكان هجوم 2020 قد أدى إلى وقوع إصابات بين القوات الأميركية، وكان من الممكن أن يؤدي بسهولة إلى سقوط قتلى. أما هجوم هذا العام فنفذ أيضا بنية قتل جنود أميركيين.
تصاعدت التوترات على طول الحدود الأردنية السورية، إلى درجة جر عمان مرة أخرى إلى الأزمة
لقد وقع الهجوم على "البرج 22" خارج العراق وسوريا، مما جعله ملحوظا في حد ذاته، وبشكل أكبر في الأردن، البلد الذي أصبح بشكل متزايد هدفا لإيران. وهكذا، فإن هناك احتمالا أن تكون إيران قد اختارت مع وكلائها هذا الهدف عن قصد. وكانت المملكة الهاشمية سعت تقليديا إلى الابتعاد عن التوترات الإقليمية، إلا أن الأزمة في غزة تشكل لها تحديا مزدوجا، وذلك لأنها أزمة محلية في الكثير من النواحي، إذ إن أغلب سكان الأردن ينحدرون من أصول فلسطينية، ولأنها أيضا أثرت على البلدان المجاورة. ورغم ذلك، كان على الأردن أن يواجه أزمات مختلفة تتعلق بإيران.
تنبع الأزمة الأولى من شبكات تهريب المخدرات والأسلحة التي تنشط في سوريا وتسعى للعبور إلى الأردن. فخلال السنوات الماضية، ازداد اعتماد النظام السوري وحلفائه الإيرانيين على المخدرات كمصدر للتمويل. وسعت عمان إلى إغراء دمشق للحد من أنشطة تهريب المخدرات من خلال تقديم فرصة لتطبيع العلاقات والمساعدة في عودتها إلى الجامعة العربية. وشهد العام الماضي اتفاقا أدى إلى عودة بشار الأسد منتصرا إلى العالم العربي، بعد أن كان معزولا نتيجة لقيامه بمجازر ضد شعبه. وفي المقابل، دفعت عمان دمشق إلى الالتزام باتخاذ إجراءات صارمة ضد تهريب المخدرات. ومن غير الواضح ما كانت عمان تتوقعه فعلا من هذه المبادرة، إذ يمكن لأي شخص يتابع القضية أن يرى بوضوح أن الأسد هو المصدر الحقيقي للمخدرات التي تجتاح الأردن.
وتُعدّ الفرقة الرابعة في الجيش السوري، بقيادة ماهر الأسد شقيق بشار الأسد، واحدة من الأطراف الرئيسة بما يتعلق بأنشطة تهريب المخدرات. إذ أصبح ماهر يعتمد على بيع حبوب الكبتاغون، وكذلك حلفاؤه الرئيسون، وهم إيران و"حزب الله". ولم يعد هذا الأمر عملا هامشيا أو نشاطا جانبيا، بل تحول إلى نشاط تجاري تُقدر عائداته بمليارات الدولارات لمختلف الجهات داخل سوريا وخارجها.
ونتيجة لذلك، تصاعدت التوترات على طول الحدود الأردنية السورية، إلى درجة جر الأردن مرة أخرى إلى الأزمة، حيث نفذت المملكة عدة جولات من الغارات الجوية بعد أن أصبح المهربون (المدعومون من الدولة) أكثر عددا وعنفا. وفي واحدة من أهم الحوادث عبر الحدود، قاتل هؤلاء "المهربون" لساعات ضد القوات الأردنية، وعُثر على صواريخ مضادة للدبابات بحوزة أولئك الذين قُبض عليهم في النهاية.
لكن المهربين لم يتوقفوا عند هذا الحد. إذ إنهم يستخدمون أيضا نفس التكتيكات لنقل الأسلحة عبر الأردن إلى الضفة الغربية، بأمر من إيران. وكانت طهران تتطلع إلى تأجيج الضفة الغربية حتى قبل هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول.
بايدن محاصر بين الحاجة إلى ردع أي هجمات مستقبلية، وجهوده الخاصة لتجنب التصعيد الإقليمي
وبعد 7 أكتوبر، بدأ وكلاء إيران في العراق أيضا بإطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة من العراق إلى إسرائيل. إلا أن هذه الصواريخ لم تصل قط إلى إسرائيل، مما يثير التساؤل حول ما إذا كانت الأردن، أو القوات الأميركية في الأردن، قد تحركت لاعتراضها.
وعلى أية حال، لم يكن هذا مجرد هجوم عشوائي في مكان غير مهم. فربما كان المقصود من هذا الهجوم إرسال رسالة إلى الولايات المتحدة والأردن معا، لأن المملكة الهاشمية باتت– بشكل غير مقصود– تشكل عقبة أمام طموحات إيران.
وسيأتي الرد بكل تأكيد، إذ لا يمكن لواشنطن أن تترك هجوما مميتا كهذا يمر دون رد، ولا سيما أن وفاة الجنود الأميركيين الثلاثة تأتي في وقت حساس بشكل خاص، فهناك تصاعد للنشاط السياسي الداخلي في أميركا قبل الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها في نوفمبر/تشرين الثاني. ومع أن السياسة الخارجية نادرا ما تلعب دورا محوريا في الانتخابات، فإن رد فعل بايدن هذه المرة سيخضع للتدقيق من قبل خصومه. وكانت شخصيات جمهورية، بما في ذلك السيناتور ليندسي غراهام، دعت الرئيس بايدن بالفعل إلى الرد بشكل مباشر على إيران. واتهم الكثير من الجمهوريين، بما في ذلك نيكي هالي، التي تسعى لتكون المرشحة الرئاسية للحزب، اتهموا بايدن صراحة بالمسؤولية عن مقتل الجنود الثلاثة، بسبب ضعفه الملحوظ، وجهوده لاسترضاء النظام الإيراني. ولا تعد هذه قضية بسيطة، لأن الرئيس الأميركي المتعثر يستعد لمواجهة الرئيس السابق دونالد ترمب، الذي أمر بقتل الجنرال قاسم سليماني، ولأسباب أبسط بكثير من الهجوم الذي شهدناه هذا الأسبوع.
الرئيس، إذن، محاصر بين الحاجة إلى ردع أي هجمات مستقبلية، وجهوده الخاصة لتجنب التصعيد الإقليمي. وأشارت تقارير كثيرة إلى أن هناك مجموعة واسعة من الخيارات التي يجري النظر فيها، بنطاق يمتد إلى ما هو أبعد من الضربات الأميركية المحتملة ضد إيران. ومع ذلك، وعلى الرغم من كل الدعوات الحازمة للحرب مع إيران، والتي تصدر في الغالب من خصوم بايدن السياسيين، فمن الواضح أيضا أن الانخراط في مواجهة واسعة النطاق مع طهران يمكن أن يكون جيدا لفترة وجيزة، ولكن من المحتمل أن تكون له عواقب سلبية على المدى الطويل. ولا يعني ذلك أن الولايات المتحدة غير قادرة على مواجهة إيران، ولكن إذا كانت الاعتبارات داخلية في المقام الأول، فإن إدارة بايدن تدرك تماما أن المواجهة مع إيران ستؤدي على الأرجح إلى تصعيد في الخليج العربي. ولن يكون من الحكمة أبدا رفع أسعار النفط بشكل كبير قبل الانتخابات.
لماذا تفعل الولايات المتحدة أقل مما تفعله إسرائيل، التي ضربت وقتلت ضباطا رفيعي المستوى في "الحرس الثوري" الإيراني داخل سوريا؟
ومع أخذ ذلك كله بعين الاعتبار، يبقى الأرجح أن تختار الولايات المتحدة استراتيجية تجنبها التصعيد إلى صراع مباشر واسع النطاق، ولكن تمكنها من الاستمرار في معالجة التطورات الأخيرة. يشير بيان وزير الخارجية أنتوني بلينكن حول الرد "متعدد المستويات"، والذي سيتم الكشف عنه على مراحل وسيستمر بمرور الوقت، إلى أن الولايات المتحدة تخطط لاتباع نهج أكثر تدرّجا وأطول أمدا. ويقترح هذا النهج سلسلة من الاستجابات بدلا من اتخاذ إجراء فردي وحاسم.
وبالنظر إلى السياق التاريخي والديناميات الجيوسياسية، فإن العراق وسوريا هما ساحتان محتملتان للرد الأميركي، لا سيما من خلال حملة تستهدف الوكلاء المدعومين من إيران في هذه المناطق، ويتماشى مسار العمل هذا مع الاستراتيجيات العسكرية الأميركية السابقة في المنطقة، ولكن قد يتعرض هذا الخيار للانتقاد باعتباره غير مباشر بما فيه الكفاية في التصدي للعدوان الإيراني.
بيد أن هجوما عسكريا مباشرا على الأراضي الإيرانية قد يعتبر تصعيديا للغاية، ولذلك فقد يكون الخيار الأكثر قابلية للتطبيق هو استهداف الأصول أو الأفراد الإيرانيين داخل المنطقة. على سبيل المثال، يمكن أن تكون سفينة المراقبة الإيرانية بالقرب من ساحل اليمن، والتي يشتبه في أنها تساعد الحوثيين في هجماتهم في البحر الأحمر، هدفا محتملا.
ويصدق القول نفسه على المستشارين العسكريين الإيرانيين في أجزاء مختلفة من المنطقة الذين يمكن اعتبارهم أهدافا مشروعة من قبل الولايات المتحدة. وسيكون هذا النهج متسقا مع الإجراءات التي اتخذتها دول أخرى، فلماذا تفعل الولايات المتحدة أقل مما تفعله إسرائيل، التي ضربت وقتلت ضباطا رفيعي المستوى في الحرس الثوري الإيراني داخل سوريا ثلاث مرات منذ ديسمبر/كانون الأول؟
وفي العموم، سنجد أنفسنا في وضع يقوم كلا الجانبين فيه بتسخين المنطقة ببطء، سواء كان ذلك عن عمد أم لا. ومن الواضح أن إيران أرادت أن ترسل رسالة قوية من خلال هجومها في الأردن، ولكنها ربما تكون قد أخطأت في حساباتها، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى تحول غير مقصود في عملية صنع القرار والاستراتيجية الأميركية، مما قد يغير ديناميكية مشاركتهم في المنطقة.