تجري الممارسات والسلوكيات "العنصرية" بحق الأفراد والمجتمع والنشطاء والمؤسسات الكردية في تركيا وكأنها شيء عادي، يومي ومبتسر، وفي أغلب الحالات غير مثيرة للاستغراب والاستهجان من قِبل القطاعات الأخرى من المجتمع التركي، التي لا تراها وتصنفها عادة كأفعال عنصرية.
الأفعال العنصرية الموجهة ضد الموسيقى والفنون الشعبية الكردية هي الأكثر حدوثا، لأن هذه الأخيرة تحتاج عادة فضاء عاما لممارستها، وحضورها في المجال العام عادة ما يجمع حولها الكثير من الأفراد، بغرض الاطلاع والمشاركة والاحتفاء، ما يخلق ويصبغ المناخ العام في أماكن ممارستها بالهوية الثقافية الكردية، الأمر الذي تناهضه السلطات الأمنية والجماعات القومية التركية، وغالبا ما تقمعها وتعنف أفرادها.
كان الشريط المصور الذي نشره النشطاء الأكراد لعشرات الأفراد في جهاز الشرطة التركية وهُم يلاحقون عناصر فرقة أداء فلكلورية كردية أواخر الصيف الماضي مشهدا معبرا عن تلك الحالة؛ ففي منتزه "مودا" الساحلي بمدينة إسطنبول، كان قرابة عشرين شابا وصبية كردية يؤدون "رقصة هالاية" الشعبية الكردية، على أصوات الموسيقى، فتقدم عناصر الشرطة وأطفأوا أجهزة الصوت وصادروها، ومن ثم طلبوا من أعضاء الفرقة وثائقهم الشخصية، وعندما رفضوا وبدأوا بالفرار، لاحقهم عناصر الشرطة وأطلقوا الغاز المسيل للدموع، ومن بعدها رشقات رصاص في الهواء، لينتهي الأمر باعتقالهم مكبلي الأيادي في الخلف، يُقادون بعنف إلى داخل سيارات الشرطة.
بعد الحادثة بأسبوعين فحسب، أطلقت جامعة "التاسع من سبتمبر" في مدينة إزمير المطلة على بحر إيجه تحقيقا مع مجموعة من الطلاب، بسبب قيامهم بأداء الرقصة الشعبية التقليدية نفسها على أنغام الموسيقى الكردية في مبنى داخل الحرم الجامعي، واستدعت الأجهزة الأمنية لتفكيك الاحتفالية المصغرة، وحينما توجهت الاتحادات الطلابية ومؤسسات حقوق الإنسان بأسئلة إلى الإدارة الجامعية، عن سبب إقدامها على فعل ذلك، فقد ردت بجملة مختصرة "كان الطلاب يقومون بعمل استفزازي يهيئ الأجواء لحدوث مشكلة أمنية".
وتتعرض فعاليات ثقافية كردية أيضا لهجمات من أعضاء "جماعة الذئاب الرمادية" الفاشية. كالهجوم الذي نفذه أفراد هذا التنظيم على طلبة جامعة "كارمان أوغلو" وسط البلاد قبل عدة أشهر على طلبة أكراد كان يرقصون في حديقة عامة بمدينة كارمان.
وانتقد حقوقيون عدم تدخل الشرطة آنذاك للتصدي لأعضاء التنظيم، الذي هو فعليا الجهاز الشبابي في حزب الحركة القومية التركية اليمينية المتطرفة، على الرغم من استغاثة بعض الطلاب، الذين بقوا يراقبون أفراد الجماعة وهم يُجبرون الطلبة الأكراد على إخراج هواتفهم النقالة، والكتابة على كل صفحات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بهم: "نعتذر للجمهور التركي بسبب سلوكنا غير الأخلاقي"، وفي مرحلة لاحقة قامت الشرطة بفض الاحتفالية، دون أي اعتقال أو تحقيق مع المعتدين.
بعد أقل من أسبوعين من الحادثة، كان أفراد من التنظيم الفاشي نفسه قد حاصروا موسيقيا كرديا شابا، اسمه "جيهان آيماز"، كان يمارس هواية العزف والغناء باللغة الكردية في ساحة عامة بمنطقة "قاضي كوي" في مدينة إسطنبول، حاصره أعضاء التنظيم الفاشي، وطلبوا منه غناء نشيد قومي تركي "سأموت من أجل تركيا"، وحينما رفض المغني الشاب فعل ذلك، طعنه أفراد التنظيم في عدة مناطق من جسمه، وفارق الحياة قبل وصوله إلى المستشفى.