من هنا تبرز أهمية المحفظة المالية السعودية المخصصة لتونس وقيمتها مليار دولار، أولا، كخط تمويل عمليات التوريد (مواد وسلع سعودية)، وثانيا، من حيث تدفق الاستثمارات السعودية، التي يقول رئيس مجلس الأعمال السعودي التونسي عمر الحجاجي عنها، إن الاستثمارات السعودية الموجهة إلى تونس ستكون "بالمليارات"، وإن نصيب الأسد فيها سيكون لقطاع السياحة.
يرتكز الاهتمام السعودي في محفظة استثماراته في تونس على 5 قطاعات حددها وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي من منطلق "التكامل الكبير فيها بين البلدين". هذه القطاعات هي قطاع صناعة السيارات والطاقة المتجددة وصناعة الأدوية والصحة والأمن الغذائي.
كما أكد الوزير السعودي أن بلاده تبحث عن فرص استثمارية في تونس، خصوصا أنها تزخر بثروات معدنية مهمّة كالحديد والنحاس والرصاص، وباحتياطي كبير من الفوسفات. تعددت القراءات حول طبيعة هذه الاستثمارات، إن كانت ستكون مثلا في شكل شريك استراتيجي في شركات عامة مملوكة للدولة التونسية على غرار شركة فوسفات قفصة وشركة الفولاذ، وهما الأهم والأكبر والأعرق.
وعلى الرغم من إعلان السلطات التونسية أنها لا تعتزم البتة تخصيص أي شركة عامة، فإن فرضية التراجع عن هذا التعهّد تبدو قائمة في ظل الصعوبات المالية التي تواجهها هذه الشركات باعتبارها أصبحت تمثل عبئا على خزينة الدولة، في عام يقدّر فيه حجم الدين الخارجي بـ 9,2 مليارات دولار (28,2 مليار دينار) منها 500 مليون دولار من السعودية.
على مستوى قطاع الطاقة المتجددة، التوجه هو نحو إنتاج "الهيدروجين الأخضر"، هذا المصدر المبتكر للطاقة الذي ترنو تونس لأن تصبح لاعبا رئيسا في إنتاجه على المستوى الإقليمي، وأن تصبح المزود الأول لأوروبا، وتراهن على قدرتها لإنتاج الهيدروجين الأخضر بتكاليف تنافسية بصفتها تمتلك موارد متجددة ممتازة وتكميلية بما في ذلك الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، بالإضافة الى قربها من مركز الطلب، وهو أوروبا.
كما تخطط تونس لإنشاء شبكة لنقل الهيدروجين الأخضر من محافظتي قابس وتطاوين (الجنوب التونسي) إلى الوطن القبلي، تمهيدا لتصديره إلى أوروبا. ويتطلّب الاستثمار في تطوير هذه التكنولوجيا تمويلات مهمة. المدير العام للكهرباء والانتقال الطاقي في وزارة الصناعة، بلحسن شيبوب، أكد أن إنتاج مليون طن من الهيدروجين الأخضر يتطلب استثمارا إجماليا يناهز 25 مليار دولار، ويقول إن تونس عاجزة عن تحمّل هذه التكاليف بمفردها.
الاقتصاد الأخضر والأزرق والمستدام
وبحسب ما أكد أحد المشاركين في اجتماعات تونس في ديسمبر الماضي لـ"المجلة"، طُرح ضمن المناقشات مشروع شراكة مع شركة "نيوم للطاقة والمياه - إينووا" السعودية، نظرا إلى أن من مخططاتها، تأسيس منظومة رائدة لأنظمة المياه والطاقة المستدامة على مستوى العالم. وفي سياق متصل أعرب المسؤولون السعوديون عن استعدادهم لإنجاز مشاريع مشتركة في مجال تحلية المياه.
يعد الاستثمار في مجالات الاقتصاد الأخضر والأزرق والمستدام، وتزويد محطات تحلية المياه ومحطات معالجة المياه تقنيات حديثة، من ضمن الأولويات العاجلة في تونس منذ إعلانها حالة الطوارئ المائية العام المنصرم بسبب التغييرات المناخية التي يقدر البنك الأفريقي للتنمية في تقرير صادر خلال شهر مايو/أيار 2023، أن تونس في حاجة لتمويلات بـ24,4 مليار دولار للاستجابة بشكل ملائم للتغيرات المناخية.