جدّدت حرب غزة الحالية، الاهتمام العالمي بالقضية الفلسطينية، جنبا إلى جنب تحركات جماهيرية ضخمة في الغرب خصوصا، ضدّ الجرائم الإسرائيلية المتواصلة في حق الشعب الفلسطيني والدعم الأميركي والأوروبي المطلق لها. وقد ترافق هذا الاهتمام المتجدّد، لا سيما بين الشباب، مع السعي إلى معرفة تاريخ القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، ولعلّ كتاب د. رشيد الخالدي، المؤرخ الفلسطيني الأميركي وأستاذ الدراسات العربية الحديثة في جامعة كولومبيا، هو بين أكثر المراجع جذبا للاهتمام، إذ أنه يجيب عن كثير من الأسئلة المطروحة اليوم ويقدّم خلفية موضوعية ومنهجية للعقلية الاستعمارية التي تقف خصوصا وراء دعم الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية المطلق لإسرائيل في حربها غير المسبوقة التي قادتها إلى محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب جرائم "الإبادة الجماعية".
"المجلة" التقت د. رشيد الخالدي، وحاورته حول رؤيته لحرب غزة والتغيرات التي أحدثتها على مستوى العالم ومستقبل القضية الفلسطينية، خصوصا أنه رافق مرحلة اتفاق أوسلو حيث كان مستشارا للوفد الفلسطيني المفاوض.
بعد مرور أكثر من مئة يوم على حرب غزة، وانطلاقا من متابعتك المواقف الأميركية وغيرها خلال هذه الفترة، هل استنتجت حدوث أيّ تغيّر لدى القوى الغربية في موقفها من قضية فلسطين عما ذهبت إليه في كتابك "حرب المئة عام على فلسطين؟"
ظهرت خلال هذه الحرب تطوّرات متناقضة، منها استمرار دعم القاعدة، التي سميتها في كتابي "المتروبول"، للمشروع الصهيوني في الغرب، وهي لا تزال أساسية في دعم ما ترتكبه إسرائيل. والدليل الاخير الدعم المطلق العسكري والسياسي والديبلوماسي الأميركي لإسرائيل خلال كل يوم من أيام هذه الحرب.
من هذه الناحية، لم يطرأ أي تغيير على التحليل الذي قدّمته في الكتاب، وقلت إن الحرب في فلسطين ليست حربا بين الشعب الفلسطيني والحركة الصهيونية أو بين الشعب الفلسطيني وإسرائيل أو بين العرب وإسرائيل، الحرب هي بين قوى خارجية ومعها الحركة الصهيونية وإسرائيل، من جهة، وبين الشعب الفلسطيني وحلفائه من جهة أخرى. لا أرى أن شيئا قد تغيّر بما يحدث اليوم، من شأنه أن يبدّل قناعتي هذه.
بيد أننا رأينا في الغرب تحولات وتغيرات هائلة لا مثيل لها في التاريخ، أعني منذ عهد (الرئيس الأميركي سابقا وودرو) ويلسون، ومنذ وعد بلفور، أو منذ قيام الحركة الصهيونية في 1897، لم يشهد يوم في تاريخ الحرب على فلسطين أو الصراع في فلسطين، حركة تأييد للشعب الفلسطيني على المستوى الذي نراه اليوم في الغرب. أذكر قبل زمن طويل، حين كنت تلميذا في الجامعة هنا في الولايات المتحدة، حين جاءت (رئيسة وزراء إسرائيل سابقا) غولدا مائير إلى جامعتنا وكنا أربعة فقط نتظاهر ضدّها، مقابل المئات من مؤيديها. اليوم، انقلب الوضع كليا. فإذا كان هناك تصويت على أن تبيع الجامعات أسهما في الشركات التي تدعم الاحتلال الإسرائيلي، أو أن تقاطعها، فإن الطلاب المؤيدين لفلسطين يكسبون، وهذا نشهده في جامعات كولومبيا وبراون ومتشيغن، حيث الأكثرية تؤيد الحقوق الفلسطينية في الكثير من الجامعات الأميركية، وهذا حدث لا مثيل له في تاريخ الصراع.