أكثر من مئة يوم مضت على انطلاق عملية "طوفان الأقصى"، شهدت فيها غزة وغلافها أشرس أنواع القتال والمواجهات بين جيش محتل من بين أكثر الجيوش تجهيزا وتدريبا في العالم، ومقاومة مسلحة تستند إلى حق مشروع أقرته القوانين الدولية ومنها قرار الأمم المتحدة رقم 3236 بتاريخ 22 نوفمبر/تشرين الثاني 1974 الذي أكد أيضا على حق الشعب الفلسطيني في العودة وفي تقرير المصير.
عملية "طوفان الأقصى" ليست مجرد جولة جديدة من القتال مع العدو الإسرائيلي بل سلسلة نجاحات ميدانية يومية تحققها المقاومة الفلسطينية في حرب غير متكافئة تستخدم فيها كل وسائل القتل والتدمير. الدروس والعِبر المستخلصة كثيرة من مواجهات أسقطت كل قواعد القتال المعروفة وكل موازين القوى التي عادة ما تبنى عليها المناورات والخطط في المعاهد العسكرية، وربما هناك المزيد من الدروس من مواجهات قادمة.
سيكتب الكثير عن عملية "طوفان الأقصى" ودقائقها الميدانية وما أضافته من تقنيات إلى نظام المعركة القريبة في مواجهة عدو متفوق، لا سيما في مجال استدامة القدرة لدى الوحدات الصغرى المستمرة على اكتساب المعلومات، ومتابعة العدو وإدارة المعركة القريبة معه من مسافات صفرية، واستدراجه إلى الكمائن والأفخاخ. هذا بالإضافة إلى التقنيات المستخدمة للاحتفاظ بمنظومة القيادة والسيطرة والاتصال، رغم الصعوبات التي تفرضها ظروف الميدان وضراوة القصف الذي يطال المستشفيات والمدارس والمجمعات السكنية، حيث لم يتوان العدو عن إعلان نيته في جعل غزة غير قابلة للحياة.
لم تقتصر المفاجآت الميدانية التي قدمها المقاومون الفلسطينيون على اقتحام مستوطنات غلاف غزة وعمليات التسلل الجوي والبحري وإطلاق آلاف الصواريخ على الداخل الإسرائيلي والاشتباك المتزامن في 21 موقعا وفقا للمصادر الإسرائيلية، مما أدى إلى انهيار المنظومة الأمنية والعسكرية للعدو بشكل كامل وعجزه عن استعادة المبادرة بشكل سريع. لقد رافق عامل المفاجأة مراحل الحملة العسكرية التي أعلنها وزير الدفاع يوآف غالانت، فلم تحقق المناورة البرية التي أقرها مجلس الحرب الإسرائيلي مساء الخميس 26 أكتوبر/تشرين الأول أهدافها لجهة الضغط على حركة "حماس" لتقديم تنازلات في مفاوضات الرهائن. وما زال الإعلان عن انطلاق المرحلة الأخيرة للعملية البرية المتعلقة بإنشاء نظام أمني جديد في قطاع غزة وتشكيل السلطة متعثرا.
إحباط نظام المعركة الإسرائيلي
لقد اعتقدت إسرائيل عند إطلاق عمليتها البرية أن اكتساب السيطرة الجوية على سماء غزة، والدفع بقواتها المدعومة بالدبابات إلى داخل مدن القطاع كافيان لإنجاز المهمة والقضاء على "حماس"، فاصطدمت حملتها البرية بساحة معركة أخرى: شبكة واسعة من الأنفاق الخرسانية المسلحة بنتها "حماس" على مدار ما يقرب من عقدين من الزمن، وأضحت تشكل الجزء الأهم من بنيتها التحتية العسكرية فيما ثبت أنها نقطة الضعف الكبرى التي واجهت نظام المعركة لدى العدو الإسرائيلي وأدت إلى إخفاق العملية البرية برمتها.