في أثناء الحملة الانتخابية للمرشح الرئاسي الأميركي وقتها، جو بايدن، عام 2020، ضد الرئيس دونالد ترمب، ذكرَ بايدن أمام جمهور من مؤيديه أنه سُئل ذات مرة إذا كان يرغب أن يدخل في مناظرة انتخابية ضد ترمب، فرد قائلا: "لا. لو كنا طلابا في الإعدادية، لأخذته وراء قاعة التدريب وأشبعته ضربا".
ضحك الجمهور من جواب بايدن الذي لم يكن مقصودا به الفكاهة، وإنما كان إعلانا عفويا عن مشاعر غضب إزاء ترمب، شعر بها، ولا يزال، كثير من الجمهور المناهض له.
قبل عشر سنوات، كان قول جملة كهذه من مرشح رئاسي انتخابي بحق خصمه أمام الإعلام، مستحيلا تقريبا. كان على الأكثر سيتلقى سيلا هائلا من النقد من جميع الاتجاهات يجبره على الاعتذار، أو يتعرض لفقدان أصوات كثيرة تقود لخسارته السباق الانتخابي جراء استخدامه لغة خشنة خالية من التهذيب، تقوم على العنف الجسدي إزاء منافسه وعدم إظهاره الاحترام اللازم له.
استطاع ترمب وحده، على نحو لافت وصادم، إعادة تعريف لغة الخطاب الانتخابي الأميركي، ليبعده عن نقاش عقلاني وهادئ عموما، كثيرا ما تشوبه الحماسة والندية عبر إظهار العيوب السياسية للخصم، لكن في إطار حدود أخلاقية مفهومة ومُلتَزَم بها من المتبارين، إلى آخر أشبه بحلبة ملاكمة تقوم على الهجوم الشخصي ضد الطرف الآخر والمخالفين ونعتهم بشتى النعوت الفردية المعيبة التي يقع كثير منها في خانة الخطاب العنصري والتمييزي.
تراجعَ كثيرا في سياق هذه الحلبة الاعتبارُ للحقائق ونقاش سياقاتها وتقديم الأرقام وسرد الوقائع التي تدعم حجة طرف إزاء آخر وإبرازُ قيمة الاختلاف السياسي المقبول في كيفية تأدية الخدمة العامة كواجب وطني.
بدأ هذا التحول السريع والمقلق في السباق الانتخابي الرئاسي عام 2016 بين هيلاري كلينتون وترمب، عندما شرع هذا الأخير في هجوم شخصي ضد كلينتون ناعتا إياها بشتى النعوت، مثل "المحتالة"، وهو ما أصبح لقبها المعتاد (crooked Hillary) في حديث ترمب عنها.
جاءت النقطة الفارقة في هذا التحول السلبي في الخطاب السياسي وتأثيره في الرأي العام قبل أسابيع قليلة من إجراء الانتخابات الرئاسية في ذلك العام، عندما سُرب تسجيل صوتي لترمب مع صديق له، يعود لعام 2005، يتحدث فيه بصراحة عن تحرشه الجنسي بالنساء وأنه كنجم مشهور يستطيع أن يفعل ما يشاء مع أي امرأة، حتى مسكها من أعضائها التناسلية، وأن النساء يسمحن له بذلك عادة.
كان تسريب هذا الفيديو بمثابة القنبلة السياسية التي اعتُقد على نحو واسع حينها أنها كافية لإنهاء حظوظ ترمب الانتخابية، ومعها مستقبله السياسي، خصوصا مع إقرار ترمب نفسه بصحة ما ورد في التسجيل وتقديمه اعتذارا عنه على أساس أنه تغير كشخص منذ 2005، وهو الاعتذار الذي اعتبره كثيرون غير مخلص وليس ذا قيمة. جاءت نتيجة الانتخابات مفاجأة، حتى لترمب نفسه، إذ فازَ وسط ذهول عام.