انقضى الشهر الأول من السنة الجديدة على مشهد الواقع العربي المأزوم. هناك الحرب في غزة المستمرة على الرغم من مرور أكثر من مئة يوم على نشوبها. كذلك، لا تزال دول عربية عدة في حال من انعدام الأمن والاستقرار واستمرار الحروب الأهلية أو المحلية مثل سوريا ولبنان وليبيا واليمن والسودان، في حين تعاني دول أخرى من الصراعات السياسية وعدم التوافق الوطني مثل العراق وتونس والجزائر، ناهيك عن المعاناة من ثقل الديون الخارجية، كما هي الحال في مصر ولبنان وتونس والأردن وغيرها من الدول العربية، وإن في درجات مختلفة.
الأوضاع الاقتصادية لا تسر الخاطر حيث تتراجع مستويات المعيشة، وتترنح أسعار صرف العملات الوطنية، وتنعدم آفاق التنمية الحقيقية، وتضطرب أوضاع أسواق العمل، وترتفع معدلات البطالة في أكثر من دولة عربية. يضاف إلى ما سبق، أن تلك الأوضاع غير المريحة ترفع معدلات التضخم، مما يزيد معاناة المستهلكين، خصوصاً المنتمين إلى الطبقة الوسطى أو ذوي الدخل المحدود أو المتواضع. فكيف يمكن للقيادات السياسية وإداراتها الاقتصادية أن تنتشل مواطني دولها وترتقي بأوضاعهم المعيشية وتمكّنهم من تكوين الثروة وتوسيع نطاق ممارساتهم المهنية والعملية من أجل تعزيز فرص التنمية المستدامة؟ لا شك أن التحديات صعبة والعقبات عديدة والثقافة المجتمعية لا تزال بعيدة عن تحفيز الابداع والتطوير والارتقاء بالانتاجية وتوظيف الأموال بجدارة بما يمكن من تأكيد الجدوى الاقتصادية في الأعمال والمشاريع.
الخليج رافعة الاقتصادات العربية
وسط هذه الصورة، أصدرت المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات، وهي مؤسسة عربية تأسست عام 1974 ومقرها الكويت، تقريرها السنوي عن الأحوال الاقتصادية العربية في عام 2023، وأوردت أن معدل النمو في الدول العربية خلال العام المنصرم بلغ 1,8 في المئة، وهو يقل عن معدل النمو السنوي العالمي الذي بلغ 3 في المئة في 2023. إلا أن المؤسسة التي تتمتع تقاريرها السنوية بالصدقية، رأت أن هناك إمكانات لبلوغ معدل نمو في العالم العربي يصل إلى 3,6 في المئة خلال السنة الجارية، أي ضعف معدل النمو المحقق خلال العام الماضي.
وأكدت المؤسسة أن تسعة اقتصادات عربية نفطية تشكل رافعة للاقتصاد العربي، وهي تساهم بنحو 78 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العربي. وأشار التقرير إلى أن متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الدول العربية انخفض بنسبة 4,7 في المئة ليبلغ 7,482 دولاراً، وأكد أن هناك عوامل قد تساعد في أن يرتفع نصيب الفرد بنسبة 1,2 في المئة ليصل إلى 7,573 دولاراً في 2024.
بنت المؤسسة العربية لضمان الاستثمار توقعاتها على إحصاءات وبيانات من الدول العربية وعلى معلومات وردت في تقارير المؤسسسات الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين، وهي تبدو متفائلة في شأن تحسن الأوضاع خلال السنة الجارية.