بدا خلال الأسبوع الماضي أن الانتقال من المواجهات "المنضبطة" بين "حزب الله" وإسرائيل إلى حرب أوسع أصبح أكثر احتمالا. وذلك عائد إلى سببين، فمن ناحية خرجت أصوات داخل إسرائيل تقول بنبرة أعلى إن على تل أبيب تحقيق هدف استراتيجي ضدّ "حزب الله" في سياق المعركة الحالية، بحيث تُزيل الخطر الآتي من الشمال مرة واحدة وأخيرة. بمعنى أن إسرائيل التي وإن حققت أهدافا مهمة ضدّ "حماس" في قطاع غزة، فإنها لم تخرج حتى الآن بصورة نصر حاسمة وقوية، وهي لن تتمكن من إعادة بناء "مرتكزات الردع" بعد الضربة الموجعة التي تلقتها في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، إن لم توجه في المقابل ضربة موجعة ومؤثرة إلى "حزب الله".
أما من ناحية "الحزب"، ومن ورائه إيران، فإنّ محدودية القوة التي ظهرا عليها خلال الأسابيع الماضية، لناحية قدرتهما ومعهما سائر الميليشيات الموالية لطهران في المنطقة على الرد بقوة وتناسب على الهجمات الإسرائيلية والأميركية ضدّهم وبالتحديد في سوريا ولبنان، تجعلهما أكثر استعدادا لتوسيع الحرب على الحدود اللبنانية الإسرائيلية.
تأثيرات "هجوم التنف"
لكن هذا كان قبل الهجوم على قاعدة التنف الأميركية على الحدود الأردنية السورية والذي أدى إلى مقتل ثلاثة جنود أميركيين وإصابة نحو 34 آخرين، وهو هجوم من شأنه أن ينقل المواجهة في المنطقة بين إيران والميليشيات الموالية لها من جهة وبين إسرائيل والولايات المتحدة من جهة ثانية إلى مستوى آخر أكثر تصعيدا وخطورة من ذي قبل. وهو ما يطرح أسئلة إضافية بشأن الجبهة على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، لناحية ما إذا كان "حزب الله" سيكون أجرأ من ذي قبل في هجماته ضد إسرائيل وما إذا كانت واشنطن "ستسمح" لتل أبيب بتوجيه ضربات أقوى ضد "حزب الله" في سياق الرد على الهجوم على قاعدة التنف. وهذا ما يجعل احتمال الانتقال إلى حرب أوسع على الحدود بين إسرائيل ولبنان أعلى بحسب تطور وتيرة الهجمات المتبادلة بين الجانبين والتي قد يكون ضبطها في المرحلة المقبلة أكثر صعوبة.
لكنّ تقدم احتمال توسع الحرب بين إسرائيل و"حزب الله" لا يعني أنّ هذا التوسع حتمي. ذلك أن المعادلة التي تم التداول بها في إسرائيل الأسبوع الماضي ومفادها أنه يجب قياس الثمن مقابل الإنجازات، والتكلفة مقابل الفائدة (في أي خطوة تتخذها تل أبيب) تنطبق أيضا وبقوة على إيران و"حزب الله" اللذين يدرسان خياراتهما بحذر شديد وعلى سلم زمني بعيد المدى بحيث لا تكون لأي خطوة يقومان بها أضرار كبرى على استراتيجيتهما التوسعية في المنطقة. وليس قليل الدلالة في هذا السياق عودة مصطلح "الصبر الاستراتيجي" إلى البروز في أدبيات "محور المقاومة"، لكن هجوم التنف دلّ إلى أن إيران مستعدة أكثر لمغادرة هذه المعادلة.