لا يحتاج المرء لوقت طويل ضمن جولة في أي من مدن الضفة الغربية أو بلداتها حتى يطلع على حجم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بالشارع الفلسطيني وتزداد تفاقما مع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. بضائع متكدسة في المحال التجارية وتراجع في الإقبال وارتفاع في الأسعار بل تباين في أسعار السلع ذاتها بين المحال المختلفة، وحديث متواصل عما تحمله الأيام المقبلة.
وتظهر ملامح الأزمة الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية بشكل واضح من خلال قضية العمال الفلسطينيين الذين توقف عملهم داخل إسرائيل مع بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وباتوا عاطلين عن العمل بين ليلة وضحاها.
ما من إحصاء دقيق لعدد العمال الذين كانوا يعملون في إسرائيل قبل الحرب وتتفاوت الأرقام المعلنة وفقا لمعايير مختلفة سنفصلها لاحقا، لكن وقف عمل هؤلاء في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول أدى إلى تراجع واضح في معدلات الدخل القومي الفلسطيني وارتفاع نسبة البطالة.
في حديث لـ"المجلة" يروي بدوي أبو جويعد، ابن منطقة دورا في محافظة الخليل والذي اعتاد العمل في مجال البناء في المناطق الجنوبية من إسرائيل، يروي معاناة آلاف العمال الذين توقف مدخولهم اليومي بشكل فوري بعد الحرب.
ويقول: "أنا شخصيا أعتمد حاليا على توفير سابق اضطررت إلى سحبه، وقيمته لا تتجاوز الألفي دولار، ويوميا أساعد نحو عشرة عمال في إجراءات صرف توفيراتهم من العمل، لكن كثيرين من زملائي يعانون ضائقة حقيقية منذ اليوم الأول للحرب، فنحن شريحة العمال نعيش أولا بأول ونحصل على الرواتب من المقاولين بشكل أسبوعي أو شهري، وبالتالي لا يمكن لنا توفير مبالغ كبيرة من المال وما من ضمانات أو حقوق أساسية لنا كتلك التي يتمتع بها المواطن الإسرائيلي، لذا فإننا نواجه مصيرا مجهولا خلال المرحلة المقبلة، وإذا استمرت الحرب سنجد أنفسنا نواجه الفقر وفقدان المدخول خاصة إذا وجد أرباب العمل بدائل لنا لاستكمال أعمالهم. لدي أصدقاء حجزت البنوك على بيوتهم لعدم قدرتهم على تسديد شيكات وقروض، وآخرون لم يتمكنوا من تسديد مستحقات علاج أطفالهم في المشافي. لقد باتت البنوك الفلسطينية تتعامل معنا كالفيروس والوباء بعد أن كنا جزءا أساسيا في رافعة الدخل القومي العام قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي (اندلاع الحرب). وفي هذا الوقت تحديدا نحتاج إلى خطوات من الحكومة الفلسطينية لبناء الثقة مع العامل لكن ما يجري هو العكس تماما".
عمال فلسطين... رافعة اقتصادية معطلة
واللافت في رواية بدوي أنها تحاكي ظروف آلاف العمال الفلسطينيين في إسرائيل، فقد أنهى دراسته الجامعية عام 2005، لكنه لجأ للعمل في إسرائيل بسبب انخفاض أجور العاملين في القطاع العام في السلطة الفلسطينية، وهو السبب ذاته الذي يضيف مزيدا من الصعوبات في الأوضاع الاقتصادية الفلسطينية عموما.