"حرب الظل" الإيرانية-الباكستانية من سوريا... الى بلوشستانhttps://www.majalla.com/node/309366/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B8%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D9%83%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D9%86-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D9%89-%D8%A8%D9%84%D9%88%D8%B4%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D9%86
من المقرر أن يقوم وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، بزيارة باكستان الأسبوع المقبل لإعادة التواصل الدبلوماسي، مع عودة سفراء البلدين إلى سفارتيهما. ويأتي هذا التطور في أعقاب فترة متوترة اتسمت بغارات جوية متبادلة بين إيران وباكستان، نجمت عن تصعيد من جانب إيران كاد يورط باكستان في صراع أوسع بمنطقة الشرق الأوسط.
وعلى الرغم من أن البلدين احتفظا على الدوام بعلاقات ثنائية وعلاقات سياسية قوية، فإنهما انخرطا منذ الثورة الإسلامية في طهران قبل أكثر من أربعة عقود في صراعات سرية، شملت كثيرا من العمليات السرية بين الحرس الثوري الإيراني (IRGC) والمخابرات الباكستانية (ISI)، التي تنوعت من الصراع على السلطة في أفغانستان إلى دعم باكستان لأذربيجان، ومن دعم الجيش الباكستاني المتمردين البلوش إلى تجنيد إيران لمقاتلين شيعة من باكستان.
رأى الملالي في طهران أن علاقات باكستان الوثيقة مع أفراد العائلات المالكة في الخليج تشكل تهديدا لنفوذهم في الشرق الأوسط
إيران... من شاه ودود إلى ثوار أعداء
تغيرت العلاقة بين البلدين بشكل كبير بعد الثورة الإيرانية، ففي السابق، كان شاه إيران حليفا رئيسا لباكستان، وخاصة في مواجهة الهند، لدرجة أنه هدد بالتدخل خلال الحرب الهندية الباكستانية عام 1971 إذا تجاوزت الهند باكستان الشرقية (بنغلاديش الآن). وقد وثّق كبير حاشية الشاه، أسد الله علم، مساعدة الشاه لباكستان، بما في ذلك المساعدة العسكرية في بلوشستان، بشيء من التفصيل في سرديته التي كتبها عن ذلك.
ولكن البلدين أخذا في التنافس الحاد على النفوذ في أفغانستان بعد الانسحاب السوفياتي من أفغانستان عام 1989، ودعما أمراء الحرب المتنابذين. وقبل صعود طالبان، راحت إيران تقدم العون للجماعات الشيعية في أفغانستان وباكستان، في مواجهة النفوذ المتزايد للمدارس الدينية السنية. وبدأت بذلك حربا سرية دعم فيها كل طرف القوى المؤيدة له عبر الحدود البلوشية والأفغانية.
ألعاب التجسس وتجنيد المقاتلين
شهد الوضع في أفغانستان والمناطق المجاورة لها تغيرات كبيرة في أعقاب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2001، حيث اقتربت الجمهورية الجديدة في كابول من الهند وإيران، وانضمت إليهما في الجهود المبذولة للحد من النفوذ الباكستاني في أفغانستان. وكان هذا التحول جزءا من عملية إعادة تنظيم إقليمية أوسع نطاقا.
وسعت إيران في هذا السياق إلى تقويض مكانة ميناء جوادار الباكستاني الذي تموله الصين. وذلك من خلال تطوير مينائها الخاص باستثمارات هندية، هادفة على الأرجح إلى خلق قوة موازنة لعلاقات باكستان الاستراتيجية المتنامية مع الصين. ويعكس هذا التطور في قطاع الموانئ التفاعل المعقد بين التأثيرات والتحالفات الإقليمية.
وحين قبضت المخابرات الباكستانية على الجاسوس الهندي كولبهوشان جادهاف في إيران، تأكدت الشكوك في إسلام آباد حول احتمال تسامح إيران مع أنشطة التجسس الهندية، خاصة في مناطق البلوش الحساسة. وامتدت الشراكة بين إيران والهند إلى أفغانستان وبلوشستان، الأمر الذي تسبب في تصاعد التوتر واحتمالات المواجهة. وأدى تورط البلدين في هذه المناطق، وخاصة في أفغانستان، إلى الضغط على باكستان لإعادة تقييم علاقاتها مع حركة طالبان، التي كانت بمثابة أداة نفوذ لجهاز الاستخبارات الباكستاني.
وقد أدى تجنيد إيران لآلاف المقاتلين الشيعة الباكستانيين للصراع في سوريا إلى زيادة تعقيد الديناميكيات الإقليمية. وبات هؤلاء المقاتلون، الذين اكتسبوا خبرة قتالية في سوريا، مصدرا محتملا لعدم الاستقرار عند عودتهم إلى باكستان. وحين اقترح وزير الخارجية الإيراني في ذلك الوقت، جواد ظريف، أن هؤلاء المقاتلين الشيعة من الممكن أن يلعبوا دورا في تحقيق الاستقرار في أفغانستان وباكستان، أثار تصريحه عاصفة من الاستياء في كلا البلدين، لكنه أظهر رغبة إيران في الهيمنة باستخدام وكلاء لخوض حروب أهلية محلية أو صراعات عرقية وطائفية. وقد نظر الجيش الباكستاني بعين الريبة إلى مقتل زعيم طالبان الملا منصور في عام 2016 بالقرب من الحدود الإيرانية، خاصة وأن منصور كان قد عبر للتو الحدود من إيران إلى باكستان عندما قُتل في غارة بطائرة دون طيار. وقد زعمت باكستان أن إيران والولايات المتحدة تواطأتا في جعل باكستان كبش فداء، بينما تدعم إيران حركة طالبان.
الحرب المباشرة بين إيران وباكستان تبدو غير محتملة، نظرا للعلاقات السياسية والثقافية القوية بينهما
الحرس الثوري الإيراني في مواجهة المخابرات الباكستانية
غالبا ما كان الرئيس السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني يوجه تحذيرات صارمة نحو باكستان، بما في ذلك التهديد باتخاذ إجراء عسكري إذا لزم الأمر، ردا على الهجمات عبر الحدود. وتعهد علانية بتلقين باكستان "درسا لن تنساه". كما رد الجيش الباكستاني على إيران عدة مرات وهدد باستخدام القوة إذا استمر تورط إيران دون تدخل أو معارضة.
وتصاعدت الاتهامات بين الجانبين، حيث زعمت باكستان تورط إيران في الهجمات على جنودها. ومن ناحية أخرى، أبدت إيران استياءها من دعم باكستان لأذربيجان، التي كانت تعارض أرمينيا المدعومة من إيران.
وبالإضافة إلى ذلك، كان للجيش الباكستاني اتصالات مع رفيق الحريري وابنه سعد، ما أدى إلى تكهنات حول تورط المخابرات الباكستانية بدعم الفصيل السني اللبناني في مواجهة النفوذ الإيراني في لبنان.
باختصار، على الرغم من هذه التوترات وتاريخ الصراعات السرية، فإن الحرب المباشرة بين إيران وباكستان تبدو غير محتملة، نظرا للعلاقات السياسية والثقافية القوية بينهما، ولكن "حرب الظل"، التي تتميز بالعمليات السرية ونادرا ما تتحول إلى صراع مفتوح مثل الضربات الصاروخية، من المرجح أن تستمر. ومن الممكن أن يتصاعد هذا الصراع المستمر، خاصة أن إيران تواجه ضغوطا متزايدة في منطقة المشرق العربي، مما قد يؤدي إلى تفاقم التوترات مع باكستان.