مع اقتراب الذكرى السنوية الثانية لاندلاع الصراع في أوكرانيا، يتضاءل يوما بعد يوم احتمال أن تحقق أوكرانيا نصرا على خصمها الروسي الأكبر حجما والأفضل تجهيزا منها.
ظلت التوقعات تتصاعد معظم العام الماضي بأن أوكرانيا، بفضل ما تلقته من الغرب من دعم هائل عسكريا وماليا، ستكون قادرة على التغلب على الصعاب وتحرير أراضيها التي تحتلها القوات الروسية في شرق أوكرانيا وشبه جزيرة القرم.
وتوقع عدد من الخبراء العسكريين الغربيين البارزين في الصيف الماضي، بأن أوكرانيا ستتمكن من إلحاق هزيمة كبيرة بموسكو بفضل المستوى المرتفع للمعدات العسكرية التي تلقتها من الغرب، بما فيها الدبابات والصواريخ بعيدة المدى.
ومن سوء الحظ الأوكرانيين أن الاختراق الذي طال انتظاره لم يتحقق، وانحدر الصراع بدلا من ذلك إلى حالة من التعادل، اضطر معها الجانبان إلى خوض حرب استنزاف دموية، عجز أي منهما فيما يبدو عن تحقيق اختراق حاسم فيها.
علاوة على ذلك، يُعزى فشل أوكرانيا في الإفادة مما لديها ميزات إلى الهياكل الدفاعية الضخمة التي أقامتها روسيا عقب النكسات الكبيرة التي منيت بها حوالي نهاية عام 2022.
فما سمي بخط دفاعات سوروفيكين – على اسم الجنرال الروسي سيرغي سوروفيكين الذي أنشأها وبات الآن موضع ازدراء – أثبت فعاليته العالية في إحباط محاولات أوكرانيا لتحقيق اختراق كبير في الخطوط الروسية، واستعادة الأراضي الحيوية. وقد تكوّن نظام الدفاعات الروسية ثلاثي الطبقات من الخنادق ومصائد الدبابات ونقاط القوة التي تتمتع بها القوات الروسية وأحسنت استخدامها لتقليل فعالية الهجوم الأوكراني المضاد.
كل المؤشرات الواردة من موسكو تشير على نحو مؤكد إلى أن الحرب تدخل مرحلة جديدة
نتيجة لذلك، تحول الأوكرانيون ليجدوا أنفسهم في موقف دفاعي الآن، إذ يقال إن الروس يخططون لهجومهم في الربيع. وفي الأشهر الأخيرة، شهد خط المواجهة الذي يبلغ طوله 600 ميل صفوفا من الخنادق الأوكرانية المحفورة حديثا، مضافا إليها هياكل خرسانية هرمية الشكل مضادة للدبابات ومراكز قيادة تحت الأرض. وتشكل هذه التحصينات الجديدة جزءا مما يصفه المحللون العسكريون بأنه "الدفاع النشط" عن أوكرانيا، الذي يعد ضروريا بسبب الطبيعة المتغيرة للصراع على الأرض في أوكرانيا، في مرحلة قد يكون الروس فيها على وشك تولي زمام المبادرة.
هذا التحول الكبير في التكتيكات الأوكرانية أشار إليه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي أواخر العام الماضي عندما أعلن أن أوكرانيا "تعزز إلى حد كبير" تحصيناتها. وأدى ذلك إلى حصول الخطوط الدفاعية حول مدينتي ليمان وأفديفكا المهمتين في دونيتسك على تعزيزات كبيرة، وكذلك كوبيانسك في المنطقة المجاورة لخاركيف.
تحصينات أوكرانية
كما بُنيت تحصينات جديدة على طول الحدود مع روسيا وبيلاروسيا وصولا إلى حدود أوكرانيا مع حليفتها الغربية بولندا، وفي هذا مؤشر على أن الأوكرانيين لا زالوا يعتقدون أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد يحاول فتح جبهة جديدة في سعيه الدؤوب لتحقيق النصر في أوكرانيا.
وكل المؤشرات الواردة من موسكو تشير على نحو مؤكد إلى أن الحرب تدخل مرحلة جديدة، تمتلك فيها روسيا زمام المبادرة، وتكافح أوكرانيا لمحاكاة جارتها الأكثر منها قوة سواء من حيث القوة البشرية أو القوة النارية.
وتبدّى ذلك جليا بعد الرشقات الصاروخية الأخيرة التي أطلقتها روسيا على أوكرانيا في وقت سابق هذا الأسبوع، إذ أطلق الروس نحو 41 صاروخا على أهداف أوكرانية. وبينما تمكنت الدفاعات الجوية الأوكرانية من إسقاط 21 صاروخا، نجح بعضها الآخر في الوصول إلى أهدافه، فتسبب بمقتل سبعة أشخاص على الأقل وإصابة نحو 60 آخرين. واستهدفت هذه الهجمات على نحو رئيس العاصمة كييف وكذلك مدينة خاركيف في شمال شرق أوكرانيا.
مع وصول الحرب البرية إلى طريق مسدود يحرص الأوكرانيون على توسيع ترسانتهم من الصواريخ بعيدة المدى
والتصاعد الأخير هذا في الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة الروسية، دفع كييف إلى طلب العون من حلفائها في "الناتو" لمساعدتها في تحسين دفاعاتها الجوية، إذ يقال إن المسؤولين الأوكرانيين يطلبون على الأخص أنظمة دفاع جوي مثل "باتريوت" و"إيريس تي" و"ناسامس".
ومع وصول الحرب البرية إلى طريق مسدود، يحرص الأوكرانيون أيضا على توسيع ترسانتهم من الصواريخ بعيدة المدى، بما في ذلك إمدادات إضافية من صواريخ "ستورم شادو" بعيدة المدى البريطانية، التي أثبتت فعاليتها الكبيرة في استهداف الأصول البحرية الروسية في البحر الأسود.
كما أن مقدرة أوكرانيا على شن هجمات بعيدة المدى تجلت في قيام طائرة أوكرانية مسيرة بتفجير محطة نفط روسية في البحر الأسود مساء الأربعاء.
ضغوط الحلفاء
مع ذلك، وبعد مرور 700 يوم على غزو فلاديمير بوتين لأوكرانيا والذي بدأه في فبراير/شباط 2022، تجد كييف نفسها تحت ضغط متزايد من حلفائها، إذ أدى الإرهاق من الحرب إلى تشكيك عدد من الحلفاء الرئيسين في قدرتهم على مواصلة دعم القضية الأوكرانية.
ويصح هذا الأمر بالأخص على الولايات المتحدة، حيث تتعرض إدارة جو بايدن لضغوط من معارضيها الجمهوريين في الكونغرس بغية خفض مستوى الدعم الأميركي.
وقد طلب بايدن 61.4 مليار دولار كتمويل عسكري إضافي لأوكرانيا وأيضا لتجديد المخزونات الأميركية وكذلك الأوكرانية. والأموال المطلوبة لأوكرانيا هي جزء من طلب التمويل الجديد الذي يتضمن أيضا 14.3 مليار دولار لإسرائيل و13.6 مليار دولار لحماية الحدود الأميركية.
وبينما تستمر الولايات المتحدة في أداء دور بارز ضمن مجموعة الاتصال الدفاعية الأوكرانية، بجمعها الشركاء لمناقشة دعم الجيش الأوكراني، فإن معارضة الجمهوريين للتوقيع على حزمة المساعدات الجديدة لأوكرانيا، تحد من قدرات بايدن على القيادة.
وقالت المتحدثة باسم البنتاغون، سابرينا سينغ، إن الولايات المتحدة مع أنها ملتزمة تجاه أوكرانيا، إلا أن المشرعين بحاجة إلى التصديق على مزيد من التمويل لكييف في قتالها مع القوات الروسية. وأضافت في مؤتمر صحفي عقد مؤخرا: "يواصل شركاؤنا وحلفاؤنا القيام بذلك، مع أنه ليس لدينا [مشروع قانون تمويل] إضافي أقره الكونغرس."
وفي ظل هذه الظروف، ومع تحول الجهود العسكرية الأوكرانية نحو الدفاع وتراجع الدعم الغربي لكييف، تتلاشى يوما بعد يوم آمال القوات الأوكرانية في تحقيق نتيجة حاسمة في هذا الصراع الذي طال أمده.