لفريق يحتل المرتبة السابعة والتسعين في تصنيف الاتحاد الدولي لمنتخبات كرة القدم، يبدو منطقيا أن تكون بطولة بحجم كأس الأمم الآسيوية مجرد فرصة للمشاركة والتعلم والبحث عما يمكن وصفه في تحليلات ما بعد كل مباراة "بالتمثيل المشرف".
وفي حالة منتخب فلسطين الذي وصل إلى نسخة هذا العام من البطولة الآسيوية في الدوحة مثقلا بعبء محنة غير مسبوقة يمر بها شعبه في غزة، كان مجرد الوجود على أرض الملعب منطلقا لظاهرة تتعدى حدود إثبات الذات كرويا إلى كونها منصة يعبر منها الفلسطيني عن ذاته في سياق مختلف لا يخلو من الرسائل السياسية.
الرسالة التي حملها افتتاح البطولة في ملعب "لوسيل" كانت واضحة عندما كرم قائد منتخب قطر حسن الهيدوس زميله مصعب البطاط قائد الفريق الفلسطيني بمنحه شرف إلقاء "قسم اللاعبين" الذي عادة ما يلقيه ممثل فريق الدول المستضيفة.
كأس العالم الذي أقيم في قطر قبل ما يزيد قليلا على عام كان مجالا مفتوحا للتعبير عن الدعم للقضية الفلسطينية بشارات وشعارات رفعها المشجعون وحتى بعض اللاعبين على أرض الملعب كنجوم المنتخب المغربي الذين احتفلوا ببعض انتصاراتهم رافعين العلم الفلسطيني.
دعم أثار وقتها حفيظة قطاع في الإعلام الغربي الذي قارن بين السماح بالشعارات المؤيدة للفلسطينيين في ظل تشديد من الاتحاد الدولي على عدم ظهور رسائل سياسية أخرى، أبرزها الجدل الذي ثار حول رفض الفيفا ارتداء المنتخبات الأوروبية لشارة دعم المثليين. وفي كأس آسيا التي تقام بينما تحتدم الحرب في غزة، وفي غياب البطولة عن دائرة اهتمامات الإعلام الغربي غير المتخصص رياضيا كان الطريق ممهدا للمزيد من رسائل الدعم للفلسطينيين في ظل وجود مكثف من الجماهير العربية، وترحيب من الدولة المضيفة بمشاركة الفريق الفلسطيني عكسته بوضوح في لفتة حفل الافتتاح.
دون أي فوز في مشاركتيه السابقتين التي سجل خلالهما هدفا واحدا في ست مباريات، بدا الفريق الفلسطيني في مستهل مشاركته الثالثة تاريخيا في بطولة الأمم الآسيوية وكأنه سيبقى وفيا للسجل نفسه، عندما خسر بفارق كبير أمام المنتخب الإيراني أحد المرشحين للفوز باللقب.
لكن الخسارة على أرض الملعب كانت ملحوظة بالكاد مقابل مشهد الآلاف يرفعون علم فلسطين في المدرجات مرددين نشيدها الوطني، مشهد سبق بدقائق قليلة رفض لاعب إيراني الاحتفال بهدفه في شباك فلسطين احتراما لآلاف سقطوا في غزة، بينما تجري المباراة وسط هتافات جماعية من مشجعي الفريقين تندد بالعدوان الذي تشنه إسرائيل على البشر في غزة، المباراة سبقتها دقيقة من الصمت يعلن الاتحاد الآسيوي أنها أتت احتراما لـ"من فقدوا أرواحهم بشكل مأساوي في فلسطين" دون أن يبحث عن صياغات أكثر "دبلوماسية" التزمتها هيئات تدير كرة القدم في دول وقارات أخرى بشأن ما يجري منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.