غطت نهائيات كأس أفريقيا للأمم التي تستضيفها ساحل العاج، على جولة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن التي قادته إلى أربع دول مطلة على المحيط الأطلسي، هي الرأس الأخضر وساحل العاج ونيجيريا وأنغولا، عادت أهميتها الجيوستراتيجية إلى الواجهة، بعدما استبدلت عشرات شركات الشحن البحري العالمية طريق التجارة من باب المندب إلى رأس الرجاء الصالح، مما يستدعي حمايتها من أي استهداف إرهابي من دول الساحل أو خليج غينيا، الطريق البحري الجديد مكلف ماليا واقتصاديا ولا يتحمل تهديدات عدائية إضافية.
على الرغم من كل الملفات الشائكة من غزة إلى أوكرانيا ومن تايوان إلى كوريا الشمالية، وجدت "أفريقيا الأطلسية" مكانها في أجندة وزير الخارجية الأميركي الذي وزع كثيرا من العناق والتحيات مع رؤساء ووزراء ومسؤولين، في أربع عواصم افريقية تضعها واشنطن ضمن قائمة حلفائها المفترضين في تشكيل النظام العالمي الجديد. ذلك أن حقوق التصويت في الأمم المتحدة تمنح القارة السمراء 54 صوتا في الجمعية العامة، وهي معادلة رياضية استُخدمت في التصويت على أكثر من قضية، وغدت خلال السنوات الأخيرة وسيلة إغراء واستقطاب في صراع الكبار، خصوصا بين الولايات المتحدة وروسيا والصين.
وقد استعانت موسكو بصداقتها مع بعض دول الجنوب لتفادي مزيد من العقوبات الاقتصادية، والإدانة السياسية داخل المنظمات الدولية والحقوقية، على الرغم من الخسائر المسجلة في صفوف المدنيين الأوكرانيين. كما لم تنتزع واشنطن أي اعتراف من دول أفريقيا والشرق الأوسط باستقلال تايوان، وتتشبث تلك الدول بالصين الموحدة. كما لم تفلح الضغوط الغربية على جنوب أفريقيا دون مقاضاة إسرائيل في محكمة لاهاي الدولية، واتهامها بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وممارسة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين.
أفريقيا في مواجهة الاستقطاب الخارجي
تتوجس واشنطن من التمدد العسكري الروسي عبر "فاغنر" في وسط القارة ودول الساحل الحبيسة، وهي منزعجة أيضا من التوسع الاقتصادي والاستثماري الصيني في القارة، عبر "برنامج الحزام والطريق"، الذي مول مشاريع للبنى التحتية في مجموع القارة، ومنها بناء مرافئ على المحيط الأطلسي قد تستفيد منها بكين لاحقا، وتحويلها إلى ورقة تجارية في صراع التنافس على مستقبل الملاحة البحرية بين القارات.