تبدو المدينة التي يرسمها عمرو سلامة، مؤلفا وكاتبا، في فيلمه "شماريخ"، المعروض حاليا في صالات السينما بالقاهرة، أشبه بمدينة "غوثام"، التي كان يعيش فيها جوكر، أو آرثر فليك، في الفيلم الشهير. فهي مملكة ظالمة، تكثر فيها الشرور، تُباع فيها النساء وتُشترى، تُغتصب بأوامر من الرجال الكبار، من الأب، الذي يلوح كحاكم أوحدلهذه المُدينة، وواضع لقوانينها أو بالأحرى مُصمّم لحالة الانفلات عن القوانين المعتادة خارج هذا العالم، وهذه المدينة. سوى أنه، وكما حدث مع جوكر في غوثام، يحدث في مملكة الأب سليم العاهل، يلعب دوره خالد الصاوي، أن يفيض الشرّ عن الحد، مما يُعرّض أمن هذه المملكة، أو لعلّه من الأجدر القول، أمن هذا الشر، إلى خطر يُهدّد وجوده نفسه.
"شماريخ" عمل سينمائي مُفعم بالغضب، أو على الأقل يُمكن رؤيتهعلىهذا النحو، إذا اتخذنا مسافة ضرورية من التصريحات الصحفية لمُخرجه المائلة إلى اعتبار الفيلم عملا ترفيهيا فقط، لا ينبغي تحميله ما لا يحتمل، وكذا إذا تأملنا عالم الشماريخ نفسه، إذ يملك العاهل ضمن مشاريع أخرى شركة أو مصنعا يعمل على تحضير جميع أنواع المُتفجرات. تُضيء الشماريخ، أو الألعاب النارية، سماء الفيلم في لقطته الأولى، بطريقة تُذكِّرنا باللقطة الأولى من فيلم "أوبنهايمر"، التي استعرضت حُلم العالِم الكبير بما سيصير لاحقا قُنبلته الذرية، تلك التي وضعت نهاية إجبارية لفصل من تاريخ البشرية، وبدأت فصلا جديدا.
مع ذلك، فإن رؤوف أو آسر ياسين، البطل الأول في الفيلم، لم يحلم ولا حلمت شريكته في الرحلة أمينة، تلعب دورها أمينة خليل، بصناعة أي قنابل ذرية، ولا التأثير بأي شكل على مجرى التاريخ، إنما كان الاثنان، على العكس تماما يبحثان عن المزيد من الخضوع للسرديات الكبرى إن جاز التعبير، والمزيد من التمسّك بما وجدا عليه آبائهما، إن كان خيرا، وإن كان شرا، وكذلك التشبّث بالآباء أنفسهم، وإن كانوا فاسدين إلى أقصى حد، وذلك حتى يتدخل القدر بطريقة ما ويقلب لهما المعادلة.