قد يرى كثيرون قرار محكمة العدل الدولية بفرض "تدابير مؤقتة" على إسرائيل في حربها على غزة انتصارا لفلسطين وللضمير العالمي، ولكرامة الإنسان وللمستضعفين، ولقوة الحق مقابل حق القوة، وبديهي أنه انتصار لـ"محكمة العدل الدولية"، التي أثبتت ذاتها مجددا، كحصن لصيانة القيم الإنسانية، في الحرية والعدالة والكرامة والمساواة، بعيدا عن انحيازات القوة والهيمنة والسياسة، لا سيما أن الدعوى تحركها دولة جنوب أفريقيا بتاريخها في النضال ضد التمييز العنصري.
إذن هذا يوم تاريخي لفلسطين وللإنسانية، في نظر مؤيدي القضية الفلسطينية، في اليوم الثاني عشر بعد المئة من الحرب الهمجية التي تشنها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في غزة، الذي اجتمعت فيه هيئة "محكمة العدل الدولية" (17 قاضيا)، مطالبة إسرائيل، في قرار أولي، بمنع كل أعمال الإبادة الجماعية، كالقتل والتدمير والتهجير ومنع المياه والغذاء والكهرباء والدواء عن الفلسطينيين في غزة، أو التحريض المباشر والعلني عليها، والسماح بتوفير خدمات أساسية ومساعدات إنسانية للقطاع المحاصر.
وتأتي أهمية هذا القرار، أولا، من أنه صدر بالأغلبية المطلقة (15 قاضيا مقابل اعتراض اثنين فقط - القاضية الأوغندية جوليا سيبوتيندي والقاضي الإسرائيلي أهارون باراك)، في محكمة تترأسها الأميركية جوان إي دونوغو، وتضم في عضويتها أيضا قضاة من روسيا وسلوفاكيا وفرنسا والمغرب والصومال والصين وأوغندا والهند وجامايكا ولبنان واليابان وألمانيا وأستراليا والبرازيل، بالإضافة إلى القاضيين: ديكغانغ موسينيكي ممثلا للجهة المدعية وهي دولة جنوب أفريقيا، والقاضي أهارون باراك ممثلا إسرائيل الدولة المدعى عليها؛ علما أنه القرار الثاني من نوعه، الذي تصدره محكمة العدل الدولية، لصالح العدالة في فلسطين، بعد رأيها الاستشاري عام 2004 بخصوص عدم شرعية الجدار الفاصل الذي أنشأته إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة.