لأكثر من ثماني سنوات، حافظت الولايات المتحدة على وجود عسكري في شمال شرقي سوريا، بدأ ببضع عشرات من الجنود، وزاد لاحقا إلى 2500 جندي، واستقر الآن عند حوالي 900 جندي. ومن عام 2015 حتى عام 2019، لعبت هذه القوات دورا محوريا في تدريب وتجهيز قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وساعدت بشكل كبير في القتال لتفكيك سيطرة "داعش" الإقليمية. وتوجت هذه المهمة في مارس/آذار 2019 بهزيمة تنظيم "داعش" داخل معقله الأخير في الباغوز.
بعد عام 2019، كانت القوات الأميركية توحد وتعزز الجهد الوحيد الهادف والمؤثر لاحتواء تمرد "داعش" والقضاء عليه، في منطقة تضم ثلث الأراضي السورية، حيث كانت "قوات سوريا الديمقراطية" الشريك المخلص والمتمكن. ولكن مما لا شك فيه، أنه من دون الوجود العسكري الأميركي وجميع المعلومات الاستخباراتية واللوجستية والدعم الناري والدعم السياسي الذي تجلبه معها، فإن القبضة التي تلف عنق "داعش" في شمال شرقي سوريا سوف تضعف بشكل كبير، وربما تزول نهائيا.
ومع ذلك، وعلى الرغم من الدور الحاسم الذي يلعبه الانتشار الأميركي وفعاليته من حيث التكلفة (مع وجود 900 جندي يشكلون 1.5 في المئة فقط من القوات الأميركية في الشرق الأوسط الكبير)، فإن الدعوات المطالبة بالانسحاب الأميركي تتزايد. ولعل ما زاد كثيرا في هذه الضغوط هو القرار الذي اتخذته حكومات إقليمية كثيرة بإعادة التعامل مع نظام الأسد عام 2023. ولكن في الآونة الأخيرة، زاد في ذلك أيضا ارتفاع نسبة الفوضى الإقليمية وعدم القدرة على التنبؤ بما يمكن أن يقع.