من المثير للاهتمام أنهم اكتشفوا أن الخلايا التي تبعث -عبر مجموعة من المواد الكيميائية التي يفرزها الدماغ- برسائل إلى مناطق مختلفة من المخ يبدو أنها تساهم هي الأخرى في الإصابة بنوبات الهلع.
يقول هان: "يشبه الدماغ في حالة الإصابة بنوبة هلع نجما ملتهبا يُرسل ملايين الجزيئات في صورة إشارات عصبية في كل أنحاء المخ. فوضى كاملة يجب أن تُفكَّك إذا ما أردنا معرفة الأسباب الكاملة لذلك المرض".
حدد الباحثون الدائرة العصبية الأولى التي تبدأ بها كل تلك الفوضى، "تتكون هذه الدائرة من خلايا عصبية متخصصة ترسل وتستقبل الببتيد العصبي (بروتين صغير يبعث برسائل إلى جميع أنحاء الدماغ) يسمى Pituitary adenylate cyclase-activating polypeptide" (PACAP)".
لكن الأهم من ذلك أن الباحثين تأكدوا أيضا أن بروتين "PACAP" والخلايا العصبية التي تنتج مستقبلاته هي أهداف محتملة قابلة للعلاج "يعني هذا بشكل مباشر أن ذلك الاضطراب يمكن علاجه في المستقبل".
خريطة دماغية لاضطراب الهلع
للبدء برسم خريطة دماغية لاضطرابات الهلع، نظر الباحثون الى النواة الجانبية العضدية التي تُعَدّ مركز إنذار الدماغ، فمن المثير للاهتمام أن هذه المنطقة الصغيرة من جذع الدماغ تتحكم أيضا في التنفس ومعدل ضربات القلب ودرجة حرارة الجسم.
"أصبح من الواضح أن تلك المنطقة على الأرجح متورطة في إثارة الذعر وإحداث تغييرات عاطفية وجسدية"، يقول هان مشيرا إلى أنها تُنتج أيضا بروتينا صغيرا يُنشّط الغدة النخامية، التي تُعَدّ المنظّم الرئيس لاستجابات التوتر.
لكن الرابط بين هذه العناصر والبروتينات بقي غير واضح، لذلك لجأ الفريق إلى حيوانات التجارب.
حقن الفريق مجموعة من فئران التجارب ببروتينات عصبية لمحاكاة الإصابة بنوبة هلع ثم وضعوا الفأر داخل أجهزة رنين مغناطيسي لتصوير دماغه وملاحظة نشاط الخلايا العصبية لاكتشاف العلاقة الفريدة بين دوائر الدماغ واضطراب الهلع.
ووجدوا أنه أثناء نوبة الهلع، يتم تنشيط الخلايا العصبية التي تفرز الببتيد العصبي "PACAP". بمجرد تنشيطها، تطلق رسول الببتيد العصبي إلى جزء آخر من الدماغ يسمّى الرفة الظهرية، حيث تنتشر الخلايا العصبية التي تعبر عن مستقبلات "PACAP". تعمل رسل ذلك الببتيد على تنشيط تلك الخلايا العصبية المستقبلة، مما يؤدي إلى ظهور أعراض سلوكية وجسدية مرتبطة بالذعر لدى الفئران.
الهلع والقلق
يقول هان إن هذا الارتباط بين اضطراب الهلع ودائرة الدماغ التي تفرز الببتيد كان خطوة مهمة إلى الأمام لرسم خريطة لاضطراب الهلع في الدماغ. ووجد الفريق أيضا أنه من خلال تثبيط إشارات الببتيد، يمكنهم تقليل أعراض الذعر - وهي نتيجة واعدة للتطوير المستقبلي للعلاجات الخاصة باضطراب الهلع.
على الرغم من تصنيف اضطراب الهلع على أنه اضطراب قلق، إلا أن هناك العديد من الأعراض التي يختلف بها الأول عن الثاني.
فالهلع يؤدي إلى ظهور العديد من الأعراض الجسدية، مثل ضيق التنفس، وخفقان القلب، والتعرق، والغثيان، لكن القلق لا يحفز تلك الأعراض كما أن نوبات الهلع لا يمكن السيطرة عليها وغالبا ما تكون عفوية، في حين أن اضطرابات القلق الأخرى، مثل اضطراب ما بعد الصدمة تعتمد بشكل أكبر على الذاكرة ولها محفزات يمكن التنبؤ بها. يقول هان إن هذه الاختلافات هي سبب أهمية إنشاء خريطة دماغية لاضطراب الهلع، حتى يتمكن الباحثون من إنشاء علاجات مصممة خصيصا لاضطراب الهلع.