يبدو للوهلة الأولى أن إيران تسعى إلى المزيد من المغامرات خارج حدودها على الرغم من جهود الردع التي تبذلها كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. ورأينا في الأسابيع القليلة الماضية انخراط إيران والجماعات المسلحة الكثيرة التي تدعمها لتنفيذ هجمات في كل من العراق وسوريا والبحر الأحمر وباكستان، والتي قوبلت بأعمال عسكرية انتقامية، ولا سيما من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
استخدمت كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة مصطلح "الردع" لوصف هذه الردود العسكرية على الهجمات المرتبطة بإيران. يحمل هذا المصطلح معنى ضمنيا بأن العقاب الدقيق للمغامرة الإيرانية ينبغي أن يمنعها من توسيع نطاق وحجم عملها العسكري المباشر أو غير المباشر. لكن إيران ووكلاءها يواصلون شن الهجمات رغم الهدف المعلن للردع لكل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
بينما يشير هذا السلوك إلى أن إيران لا تعتبر الردع الأميركي والبريطاني ذا مصداقية كاملة، إلا أن تصرفات إيران ووكلائها تظهر في الوقت نفسه أنهم ليسوا أقوياء كما يزعمون؛ فعندما تكون دولة ما أو كيان ما في مكانة ضعيفة، قد تسلك سلوكا ذا تداعيات خطيرة لمحاولة الحفاظ على تلك المكانة.
تقول نظرية الردع في العلاقات الدولية إن الردع لا ينجح إلا إذا رأى الهدف أنه يحمل مصداقية ما. وعندما يتعلق الأمر بالمصالح الأميركية في الشرق الأوسط، تعلم إيران أن الأمن الإسرائيلي خط أحمر. ولهذا السبب لم تسع إلى تصعيد تدخلها في الحرب بين إسرائيل وغزة لتتحول إلى مواجهة مباشرة مع إسرائيل. إذا حدث هذا السيناريو، فلن يكون أمام الولايات المتحدة سوى خيار التدخل عسكريا لمساعدة إسرائيل، وهو بدوره يعني هجوما مباشرا على إيران نفسها. وضمن هذا الإطار، ردعت إيران نفسها تلقائيا عن تحويل الصراع بين إسرائيل و"حماس" إلى حرب إقليمية شاملة.