إذا كانت الأزمة الاقتصادية التي ضربت لبنان بدءا من خريف عام 2019 قد أعلنت فشل الدولة اللبنانية وشكلت محطة مفصلية في تاريخ لبنان لجهة انهيار العقد الاجتماعي بين اللبنانيين ودولتهم، فإن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وامتداداتها في الجنوب اللبناني شكّلت محطة مفصلية في تاريخ "حزب الله". وبالقياس على "صعود الحزب" بعد حرب يوليو/تموز 2006، فإن الحرب الحالية هي بداية التراجع الفعلي لـ"الحزب" من أعلى نقطة وصلها بعد حرب عام 2006.
صحيح أن المشاركة في الحرب السورية شكلت تحديا خطيرا بالنسبة لـ"حزب الله" نظرا إلى تداعيات انغماسه في "الحرب الأهلية الإقليمية" على صورته "كقوة مقاومة" في وجه إسرائيل، لكن تداعيات الحرب الحالية على "الحزب" أخطر بكثير، خصوصا أن رجوعه إلى "المقاومة" كان رجوعا مشككا فيه لبنانيا وعربيا وحتى فلسطينيا. أي إن هذا الرجوع لم يكن كفيلا بمسح الغبار المتراكم لبنانيا وعربيا على صورته طيلة السنوات الماضية، بل زاد فوقه غبارا فلسطينيا أيضا.
والحال أن "حزب الله" الذي يقيم اعتبارا قويا لـ"لعبة" الصورة والخطاب يواجه خلال هذه الحرب إرباكا غير مسبوق على مستوى صورته وخطابه، أي على مستوى مفهومه كـ"قوة مقاومة". وهذا أمر ستكون له تبعات بعيدة المدى على "الحزب" باعتبار أن سقوط مفهوم أي فكرة هو مقدمة لسقوط الفكرة نفسها، أي إن عدم القدرة على الاستمرار في الدفاع عن فكرة معينة بحجج قوية هو الخطوة الأولى نحو سقوط تلك الفكرة.