ميلانو: "سأقول الحقيقة لأنني وعدت بقولها، ما لم تقلها العدالة، كاملة وشاملة. من واجبي أن أتكلم لأنني لا أريد أن أكون متواطئا في هذه القضية. وإن لم أفعل فسيطاردني في لياليَّ شبح ذلك البريء الذي يدفع هناك، في جزيرة الشيطان، وسط أبشع أنواع التعذيب، ثمن جريمة لم يرتكبها"، بهذه الكلمات، توجه إميل زولا في رسالة مفتوحة إلى رئيس الجمهورية الفرنسية آنذاك فيليكس فور، بعنوان "أنا أتهم"، التي نشرتها صحيفة "لورور" الاشتراكية بتاريخ 13 يناير/كانون الثاني 1898، للتنديد علنا بمضطهدي الضابط ألفرد دريفوس والمخالفات التي ارتكبت خلال المحاكمة التي شهدت إدانته بالخيانة العظمى. هذه العبارة البليغة التي تدين أعداء "الحقيقة والعدالة"، أصبحت في الاستخدام العام مجازا قويا للدلالة على الإساءة والظلم، وهذا ما نلمسه بوضوح في كتاب "أنا أتهم: تاريخ الانتهاكات الإسرائيلية ضد السكان الفلسطينيين"، لمؤلفته فرانشيسكا ألبانيزي، بالتعاون مع كريستيان إيليا وكيارا فالنتيني، الذي أصدرته دار "فوريشِنا" للنشر في أواخر شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
يجمع الكتاب شهادات المقرّرة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967 والانتهاكات التي يتعرض لها المدنيون على مدار الساعة، على يد جيش الاحتلال والمستوطنين على حد سواء.
حتى قبل أن يصدر هذا الكتاب، كانت فرانشيسكا ألبانيزي، وهي محامية وأكاديمية دولية إيطالية من مواليد 1977، عُيّنت في الأول من مايو/أيار 2022 مقرّرة خاصة للأمم المتحدة لشؤون الأراضي الفلسطينية المحتلة لمدة ثلاث سنوات، قد أصبحت من أكثر الشخصيات الرائجة في الميديا الغربية وفي وسائل التواصل الاجتماعي، بسبب موقفها من ممارسات إسرائيل في غزة والضفة الغربية. فهي معارضة قوية للاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وأوصت في تقريرها الأول بأن تضع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة "خطة لإنهاء الاحتلال الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي ونظام الفصل العنصري". تعرضت ألبانيزي إثر ذلك لانتقادات حادة بسبب تصريح أدلت به في عام 2014، وصفت فيه الولايات المتحدة بأنها "خاضعة للوبي اليهودي" وأوروبا "بالشعور بالذنب تجاه الهولوكوست".