"أسامة"... كيف تواجه إحدى أقدم مجلات الطفل العربية تحديات الحرب؟https://www.majalla.com/node/308776/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9/%D8%A3%D8%B3%D8%A7%D9%85%D8%A9-%D9%83%D9%8A%D9%81-%D8%AA%D9%88%D8%A7%D8%AC%D9%87-%D8%A5%D8%AD%D8%AF%D9%89-%D8%A3%D9%82%D8%AF%D9%85-%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%81%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A8%D8%9F
دمشق: ينظر كثر إلى أدب الطفل بعين الاستسهال الذي لا يحمل نضجا ويكتب كيفما اتفق، لكنه في الحقيقة أدب ذو خصوصية يرتكز على دراسة الطفل وفهم تفكيره والإبحار في عالمه لتقديم نصوص تلبّي متطلباته الثقافية والتربوية والنفسية. في سوريا عام 1969، أطلقت وزارة الثقافة "أسامة"، أول مجلة تستهدف جمهور الأطفال وذلك في زمن راجت فيه مثل هذه المشاريع قبل أن تبدأ بالتراجع، لا سيما بعد انتشار قنوات التلفزة المخصصة للأطفال، ثم الإنترنت والتواصل الاجتماعي، التي لم تترك مجالا كبيرا لصحافة الطفل المكتوبة. "المجلة" التقت رئيس تحرير "أسامة" قحطان بيرقدار الذي يشرف على إصدارها منذ عام 2016، لنتعرف الى بدايات المجلة، ومحاولاتها النهوض بواقع منشورات الطفل، ومدى تأثرها بواقع الحرب.
كيف انطلقت رحلة مجلة "أسامة"؟ ولماذا سُمّيت بهذا الاسم؟
في فبراير/شباط عام 1969، صدر العدد الأول من مجلة "أسامة" عن وزارة الثقافة السورية، وكانت تنهض بالمجلة في بداياتها خيرة الأدباء والفنانين السوريين مثل عادل أبو شنب وسليمان العيسى وممتاز البحرة ولجينة الأصيل وزكريا تامر ورياض الصالح الحسين وغيرهم كثر. أسامة هو ذلك الفتى السوري الذي يحمل على عاتقه بعد نكسة يونيو/حزيران 1967 مشروعَ مقاومة المحتل وتحرير فلسطين والجولان، وقد استُلْهِمَ اسمُهُ من اسم القائد العربي أسامة بن زيد الذي قاد الجيوش وحقّق الانتصارات، وهو لا يزال فتى صغيرا.
يجد كاتب أدب الطفل نفسه مطالبا بأن يكتب أحيانا وفق المعايير التي تحدّدها جهةٌ ما، وهذا لا يؤدّي إلى تقديمِ أدبِ حقيقيّ
الدعم النفسي
هل اختلف محتوى المجلة وأسلوبها خلال سنوات الحرب الأخيرة؟
عملنا خلال سنوات الحرب على رفع معنويات الأطفال وتقديم الدعم النفسي إليهم وتعزيز الأمل في المستقبل وتعزيز قيمة حب الوطن لديهم، ومن ثم قدمت المجلة موادَّ كثيرة تتصل بأثر الحرب في الأطفال بأسلوب موضوعيّ يخدم واقع الطفل الراهن، ويلبي ميوله وتطلعاته. حرصنا في هذه الفترة على زرع التفاؤل في قلوب الأطفال، وأن تقام لهم أنشطة تفاعلية مباشرة في المدارس ونوادي الأطفال والمراكز الثقافية.
ما العراقيل التي تواجه الكاتب المختص بأدب الطفل؟
الكاتب سواء أكان يكتب للأطفال أم للكبار، لا بد من أن تعترضه عراقيل مُعيّنة، فعلى سبيل المثل ثمة أزمة في النشر، فتكاليف النشر اليوم مرتفعة جدا، وليس من السهل أن يجد الكاتب اليوم من يتبنّى عمله وينشره ويوزعه، كذلك من العراقيل ما يتصل بواقع أدب الأطفال في ظل فوضى النشر السائدة، فالمعايير اختلفت بين جهة نشر وأُخرى، ومن ثم يجد كاتب أدب الطفل نفسه مطالبا بأن يكتب أحيانا وفق المعايير التي تحدّدها جهةٌ ما، وهذا في رأيي لا يؤدّي إلى تقديم أدب حقيقيّ.
كيف أثّرت الحرب على عدم وصول النسخ إلى المناطق الساخنة؟ كيف عوّضتم هذا النقص؟
انقطع بالتأكيد بسبب الحرب وصولُ مجلة "أسامة" إلى مناطق معيّنة، لكنّنا، على الرغم من ذلك، حاولنا بشتى الوسائل أن تصل المجلة إلى أكبر شريحة ممكنة من الأطفال، من هنا عزّزنا النشر الإلكتروني للمجلة وطوّرناه لتصل المجلة إلى الأطفال في كل مكان تقريبا.
ما الذي يعيق النهوض بأدب الطفل في سوريا خاصّة، وفي العالم العربي عامّة؟
النهوض بأدب الطفل يحتاج إلى مشروع متكامل تنهض به الدولة والمؤسسات المعنية بالطفل فيها بالاشتراك مع القطاع الخاص أيضا، فالعمل فرديا لن يؤدي إلى النهوض بهذا القطاع سواء في سوريا أو في بقية البلدان العربية. لا يُشكّل الإنتاج الفني والأدبي للأطفال أولوية، بل هو أمر ثانويّ لا يلقى العنايةَ اللازمة، ومن ثم فإن الواقع حاليا غير مُبشِّر على نحو أو آخر، على الرغم من أنّ النشر للأطفال كثيرٌ ومستمرّ، لكنْ ليس هناك ناظمٌ معرفيّ، بل فوضى تجارية ربما تخلقها بعض دور النشر المختصة بالعمل للأطفال.
المدرسة والأدب
هل تحظى ثقافة أدب الطفل باهتمام الأهالي أم أنهم يكتفون بالمناهج الدراسية؟
أدب الطفل في سوريا ناضجٌ ومُهمّ وناشطٌ دائما على الرغم من صعوبة الظروف في السنوات الأخيرة، وفي معارض الكتاب العربية التي تُشارِكُ فيها الهيئة العامة السورية للكتاب نلاحظ إقبالا كبيرا من الأهالي على اقتناء الأعمال الموجهة إلى الطفل، وهناك وعيٌ كبير لدى الأهالي في ما يتعلّق بذلك، ونحاول دائما أن نحثّ الأهالي على تمكين أطفالهم من الاطلاع على النماذج الأدبية الموجهة إليهم، إضافة إلى المنهج المدرسي، وذلك من خلال لقاءاتنا معهم عبر أنشطتنا الميدانية التفاعلية مع الأطفال.
المدرسة يمكن أن تصنع طفلا متعلما، وليس طفلا مثقفا، وهنا يأتي دور مجلات الأطفال التي تشتغل على تنمية الذائقة الأدبية والفنية لدى الأطفال
يوصف الصف المدرسي بأنه يعتمد على منطق التلقين المباشر، كيف تحاولون مخاطبة الطفل بعيدا من سلطة المدرسة؟
المدرسة يمكن أن تصنع طفلا متعلما، وليس طفلا مثقفا بالمعنى الواسع للكلمة، وهنا يأتي دور مجلات الأطفال التي تشتغل على تنمية الذائقة الأدبية والفنية لدى الأطفال، وتلعب دورا تكميليا مع المدرسة، بمعنى أننا والمدارس نعمل على نحوٍ تكامليّ، فكلٌّ منا يُكمِلُ الآخرَ في سبيل تقديم كل ما يحتاج إليه الطفل على المستوى التعليمي والتربوي والأدبي والفني والثقافي عامة.
لا يختلف أدب الكبار عن أدب الصغار في ما يتعلق بمقومات الأدب الفنية، لكنّ وجه الخلاف يظهر في المواضيع الأساسية والمضمون والأسلوب والأحداث والشخصيات والمصطلحات التي تلائم قدرات الطفل. كيف تحافظون على هذه السمة؟
هناك فروق بين الكتابة للأطفال والكتابة للكبار على الرغم من بعض المشتركات بينهما، كضرورة توافُر الموهبة الحقيقية لدى الكاتب، لكنَّ الكتابة للأطفال تنحو منحى أكثر صعوبة، إذ على الكاتب للأطفال أن يحرص على أن يقدّم نصّا إبداعيا مؤثرا يفهمه الطفل، ويحبّه، وعلى النصّ الموجه إلى الطفل أيضا أن يكون مُعلّما للطفل ومُربّيا له ومُجسِّدا أحلامَهُ وتطلعاته ورؤاه. إنّ العمل الإبداعيّ الذي يحبه الطفل، سيحبّه الكبير أيضا، وهذا ما نلاحظه في كثيرٍ من الأعمال العالمية الشهيرة التي كُتِبَتْ للأطفال، فقد أحبّها الكبار أيضا.
ماذا عن مشاركة مجلة "أسامة" في معارض عالمية لأدب الأطفال خلال سنوات الحرب؟
انخفضت وتيرة مشاركة مجلة "أسامة" في معارض الكتاب العربية خلال سنوات الحرب، ولكنْ في السنوات الأخيرة عادت منشورات الأطفال السورية إلى بعض معارض الكتاب العربية في عدد من الدول، والأمر متّجه نحو الأفضل.
يتميز مضمون أدب الأطفال بالقيم الوطنية والتزام القضايا العربية الراسخة. ماذا عن القضية الفلسطينية؟ أم أنّ انشغال سوريا بالحرب أدّى إلى تراجع هذا الجزء؟
- على الرغم من انشغال سوريا بالحرب في السنوات الأخيرة، إلّا أنّ القضية الفلسطينية لا تغيب عن الساحة الثقافية السورية عامة، وكذلك في منشورات الأطفال وفي مجلات الأطفال، لذلك لا تزال الأعمال الموجهة إلى الأطفال والمواكبة للقضية الفلسطينية مستمرة على صفحات المجلة.
هل يخضع أدب الأطفال عموما للتسييس؟
لكلّ جهة ناشرة منطلقاتها الأيديولوجية والسياسية وغير ذلك، وهي تنطلق منها في منشوراتها التي تقدمها الى الطفل، أما رأيي الشخصي في هذا المجال، والذي أُطبّقُهُ في عملي في مجلة "أسامة" وفي مديرية منشورات الطفل، فهو أنني لا أُحبّذ تقديم أيِّ نوع من الأيديولوجيا أو التوجهات السياسية والعقائدية إلى الأطفال، إذ ليس هذا من مهمات أدب الأطفال، الذي يجب أن تنحصر في تنمية ثقافة الطفل بشكل عام، وتعزيز القيم التربوية لديه، وإمتاعه وتسليته، وبناء شخصيته أدبيا وفنيا ومعرفيا.
هل تلقى كتبُ الأطفال إقبالا لدى دور النشر السورية باعتبار أنّ الأولوية عندهم لأدب الكبار؟
الأدب الموجه إلى الأطفال، وكل ما يتصل بثقافة الطفل وتعليمه، عليهما إقبال كبير من الجمهور، وقد ازداد عدد دور النشر التي تنتج للأطفال في السنوات الأخيرة، في سوريا وفي العالم العربي عامّة، وفي معارض الكتاب العربية نلاحظ إقبالا كبيرا من الأهالي على المنتجات الأدبية والفنية الموجهة إلى الأطفال. من هنا فإنّ المسؤولية مضاعفة أمام جميع المشتغلين في حقل الإنتاج الفني والأدبي للأطفال لتقديم أفضل المحتويات وأرقاها وأكثرها ملاءمة للأطفال.
تخصص المجلة حيزا واسعا للكتابة القصصية، ما حصة الأدب المترجم في هذا السياق؟
من يتصفح أعداد مجلة "أسامة" قديما وحديثا يجد في كل عدد تقريبا قصة مترجمة، أو قصيدة مترجمة، بل أكثر، وتتنوّع اللغات التي نترجم عنها، فهناك قصص مترجمة عن الإنكليزية، وقصص عن الفرنسية، وقصص عن الروسية والفارسية والهندية، وغيرها. نشجّع المترجمين على انتقاء ما هو مناسب للطفل في مجتمعنا العربي من الأدب الغربيّ وترجمته إلى العربية، لأنّ في ذلك توسيعا لمدارك الطفل وذائقته واطلاعه وشخصيته.