قد تبرَّر الصراعات على توسيع المكاسب السياسية، بأنها من أبجديات السياسة. وربما تبرر الخطابات الحماسية بأنها إحدى وسائل السياسية لجذب الجماهير. لكن الاختلاف بشأن مفهوم سيادة الدولة ومصلحتها العليا لا يحدث إلا في العراق الذي تنتهك سيادته بين فترة وأخرى، ويلوذ أغلب ساسته بالصمت؛ فعندما تبتلى الشعوب بطبقة حاكمة تشرعن نفوذ الأجنبي، وتحاول أن تبرر التدخلات الخارجية وتعتبرها لمصلحة الطائفة أو المذهب، بالتأكيد لا يبقى أي معنى للسيادة. لا بل تصبح هذه المفردة مثيرة لحساسية كثير من السياسيين الذين يعدونها كلمة غريبة عن قاموسهم السياسي.
يفترض أن تكون السيادة هي التجسيد الفعلي لمفهوم الدولة في الحفاظ على أمنها القومي، ولا يمكن أن تكون خاضعة لتجاذبات سياسية وأمزجة زعامات حزبية. ولا يمكن بأي حال أن تطغى الخلافات الداخلية وتكون مانعة لبروز موقف وطني واحد تجاه أمر يمس السلامة الإقليمية وأمن واستقرار مواطني الدولة، أو أن تغلب الصراعات الداخلية على مواجهة خطر خارجي.
ولكن في بلد مثل العراق، بات انتهاك سيادته المانشيت الرئيس في نشرات الأخبار، ومادة دسمة لمواقع التواصل الاجتماعي، أصبح موضوع السيادة نسمع به، ولكن لا نتلمسه مقترنا بعلاقتنا مع دول أجنبية، ولا باعتباره السلطة العليا والمطلقة التي تنفرد بعلو إرادتها على إقليم الدولة ومواطنيها. فمن يريد أن يقصف العراق بصواريخ باليستية، أو يتوغل عسكريا فالحدود مفتوحة أمامه، ما دام بعض من "أبناء العراق" يتولى مهمة تبرير التدخلات والاحتفال بها، ووصف الدول المعتدية بأنها تدافع عن أمنها القومي! حتى وإن كان ضحايا الهجوم "سيادة العراق"، و"من المدنيين"!
إيران وقرار العودة إلى "عالم الصواريخ"
كان الرئيس الإيراني الراحل هاشمي رفسنجاني (ت2017)، هو صاحب المقولة الشهيرة: "عالم الغد هو عالم المفاوضات لا عالم الصواريخ". ويبدو أن إيران اليوم تتراجع عن المفاوضات وتتجه إلى الصواريخ لتنفيذ أجندة سياستها الخارجية، التي تحولت إلى سياسات محصورة بردود الفعل، وتختار أن تكون ساحة الرد على الهجمات والانتهاكات الأمنية التي تتعرض لها في الداخل الإيراني، هي الدول الهشة التي تخضع لنفوذها، مثل العراق وسوريا.