تنشط الإدارة الأميركية مؤخرا لتسويق مشروعها لإدارة غزة بعد نهاية الحرب، والذي يتلخص في إعادة السلطة الفلسطينية إليها بعد تدريب وتأهيل عشرات الآلاف من الفلسطينيين لاستلام الأمن فيها تحت اسم "تجديد" السلطة الفلسطينية. وهي تريد أيضا من الدول العربية أن تقوم بدعم السلطة الفلسطينية في غزة بإرسال قوات عربية لمساعدتها إلى أن تتمكن من تثبيت نفسها، عدا عن القيام بتحمل تكاليف إعمار غزة.
في زيارته الأخيرة لتركيا والدول العربية وعلى رأسها وأهمها المملكة العربية السعودية والسلطة الفلسطينية، قال أنتوني بلينكن، وزير خارجية أميركا، إن تركيا والدول العربية التي زارها والسلطة الفلسطينية تقبل بأن يكون لها دور في غزة، شرط أن يكون ذلك جزءا من مشروع سياسي لـ"حل الدولتين".
ولتسويق مشروعه، يُظهر الإعلام أن هناك تعارضا بين ما تريده أميركا وما تريده إسرائيل. الأولى تريد عودة السلطة الفلسطينية لغزة، بينما الأخيرة تريد أن تكون لها اليد العليا أمنيا في القطاع. وسواء كان ما يثار بشأن "الخلاف" بين البلدين حقيقيا أم محاولة لتسويق المشروع الأميركي على أنه مختلف عن المشروع الإسرائيلي، فإن المشروع الأميركي فيه ثلاثة افتراضات هي موضع شك:
الأول، أن إسرائيل ستنجح في القضاء على الفصائل المقاتلة في غزة، وأنها ستتمكن من بسط سيطرتها على القطاع، ومن بعد ذلك ستقوم بتسليمها للسلطة الفلسطينية المدعومة عربيا. لكن القتال في غزة لا يشير إلى نجاح إسرائيل في مهمتها، فلا زالت الفصائل الفلسطينية المقاتلة تستهدف المدن الإسرائيلية وتوقع الكثير من الخسائر في صفوف الجنود الإسرائيليين، ولا زال الأسرى من جنود دولة الاحتلال لديهم.
والثاني، مرتبط بالأول، وهو أن الحرب ستنتهي خلال أسابيع. وكما ذكرنا بداية هذه الحرب في مقالة سابقة فإن الأزمة ستطول، وما نراه على أرض الواقع يؤكد ذلك، وهو عكس ما يروج له، فهذه الحرب أبعد بكثير من أن تنتهي قريبا. ولقد صرح أكثر من مسؤول حكومي إسرائيلي مدني وعسكري بأنهم سيحتاجون لأشهر عديدة وربما لسنوات للقضاء على الفصائل المسلحة التي تقاتل في غزة.
والثالث، أن الحرب ستبقى محصورة في غزة. والحقيقة أنه رغم عدم وجود مصلحة لجميع دول المنطقة في توسع الحرب، فإن هذه الرغبة لا تكفي لمنع ذلك؛ فقد تحول البحر الأحمر لساحة مواجهة مشتعلة، جزء منها، الضربات الأخيرة الأميركية والبريطانية لـ"الحوثيين"، وقد أصدرت هيئة الملاحة الأميركية تعليماتها لسفنها التجارية بتجنب استخدام البحر الأحمر، والكثير من الدول الأخرى بدأت بالابتعاد عن الملاحة التجارية فيه.