من المحتم أن يثير الفوز الساحق الذي حققه دونالد ترمب في الانتخابات التمهيدية الحزبية في ولاية أيوا تساؤلات حول التأثير الذي من المرجح أن يحدثه الرئيس الأميركي السابق في الشؤون العالمية إذا نجح في سعيه للفوز بالانتحابات مرة أخرى.
وفي ما يمكن وصفه بأنه العودة الأبرز في التاريخ السياسي الأميركي، فقد حصل ترمب على نحو 50 في المئة من الأصوات، وهو أكبر فوز في تاريخ الانتخابات التمهيدية، متفوقا بشكل كبير على منافسَيْه الرئيسين الآخرين لنيل ترشيح الحزب الجمهوري، وهما نيكي هيلي، السفيرة السابقة لدى الأمم المتحدة، ورون ديسانتيس، حاكم فلوريدا.
ورغم وجود احتمال لظهور مفاجآت من قبل المرشحَين الآخرين في الانتخابات التمهيدية المقبلة في نيو هامبشاير وكارولينا الجنوبية، فإن حجم فوز ترمب في ولاية أيوا وضعه على المسار الصحيح لتأمين ترشيحه للمرة الثالثة على التوالي كمرشح جمهوري في الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في نوفمبر/تشرين الثاني.
وعلاوة على ذلك، كان انتصار ترمب أكثر إذهالا لكونه ضمن الفوز على الرغم من مواجهته لـ91 تهمة جنائية وغيرها من المشاكل القانونية التي يمكن أن تذهب به في النهاية إلى السجن.
ومن المؤكد أن هذا الفوز عزز من إيمان ترمب بأنه قادر على استعادة البيت الأبيض، حيث قال لمناصريه بعد فوزه: "الليلة المهمة ستكون في نوفمبر/تشرين الثاني، عندما نستعيد بلادنا".
تتعزز احتمالات فوز ترمب في السباق الرئاسي بشكل أكبر، بسبب تفاقم فقدان الرئيس الأميركي جو بايدن لشعبيته بين الناخبين الأميركيين، مع إعراب بعض الديمقراطيين عن مخاوفهم من أن عمر بايدن، إلى جانب أدائه المتعثر في كثير من المناسبات العامة، أثار شكوكا كبيرة حول مدى ملاءمته لولاية ثانية تمتد لأربع سنوات.
في مؤتمراته الانتخابية، ركز ترمب بشكل عام على القضايا الداخلية، وخاصة تصميمه على حل المشكلة المستمرة منذ فترة طويلة والمتمثلة في دخول المهاجرين غير الشرعيين إلى الولايات المتحدة
ومع بدء السباق الرئاسي فعليا الآن، تبدو فرصة قيام الديمقراطيين باختيار مرشح آخر ضئيلة للغاية، حتى وإن أرادوا ذلك. وبمناسبة احتفال بايدن بعيد ميلاده الـ81 نهاية العام الماضي، فقد نشرت شبكة "إن بي سي نيوز" استطلاع رأي يفيد أن معدلات تأييد بايدن وصلت إلى أدنى مستوياتها خلال فترة رئاسته.
كما أدت المخاوف المتزايدة بشأن حالة الاقتصاد الأميركي، وفشل إدارة بايدن في معالجة أزمة الهجرة، وأداؤه غير المقنع على الساحة العالمية بين أوكرانيا والصراع في غزة، إلى استمرار حصوله على معدلات تأييد منخفضة.
وفي اليوم الذي حقق فيه ترمب فوزه الساحق في الانتخابات الحزبية التمهيدية في ولاية أيوا، أظهر استطلاع جديد أجرته شبكة "إيه بي سي- إيبسوس" أن تقييم الأداء الوظيفي لجو بايدن انخفض إلى أدنى نقطة، حيث حصل على 33 في المئة فقط، في أدنى تصنيف يحصل عليه رئيس حالي منذ جورج دبليو بوش في الفترة من 2006 إلى 2008.
في مثل هذه الظروف، يتجه كثير من المحللين إلى النظر في كيفية أداء إدارة ترمب الجديدة في حال استعادته للبيت الأبيض، وهو ما سيكون أيضا إنجازا تاريخيا، حيث إنه من النادر جدا أن يعود إلى البيت الأبيض رئيس أميركي حكم لولاية واحدة فقط. وكانت آخر مرة حدث فيها ذلك بعد نهاية الحرب الأهلية الأميركية عندما عاد الديمقراطي غروفر كليفلاند لولاية ثانية بعد أربع سنوات من مغادرته البيت الأبيض.
وفي مؤتمراته الانتخابية، ركز ترمب بشكل عام على القضايا الداخلية، وخاصة تصميمه على حل المشكلة المستمرة منذ فترة طويلة والمتمثلة في دخول المهاجرين غير الشرعيين إلى الولايات المتحدة. ولكن زعماء العالم سوف يولون اهتماما وثيقا أيضا للتأثير الذي يمكن أن تخلفه رئاسة ترمب الثانية على القضايا العالمية الرئيسة، وخاصة على الصراعات الجارية في أوكرانيا والشرق الأوسط؛ إذ كان ترمب قد أعلن بالفعل عن آرائه بشأن قضية أوكرانيا، وجادل باستمرار ضد الدعم المفتوح الذي تقدمه إدارة بايدن لكييف. ويفتخر ترمب أيضا بعلاقته الجيدة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ويخشى أنصار معركة أوكرانيا الشجاعة ضد العدوان الروسي أن تكون إحدى خطوات ترمب الأولى كرئيس هي التفاوض على إنهاء الصراع بشروط سيكون من الصعب على كييف قبولها.
في الواقع، يقال إن عدم رغبة بوتين الواضحة في إيلاء اهتمام جاد للجهود الدبلوماسية لحل الصراع يعود إلى اعتقاده بأن انتظار موسكو لنتائج الانتخابات الأميركية سيتيح لها الحصول على صفقة أفضل– في حال عودة ترمب إلى البيت الأبيض– من أي عرض يمكن أن تقدمه إدارة بايدن.
لعبت إدارة ترمب دورا رئيسا في تدمير ما يسمى "خلافة تنظيم الدولة الإسلامية"، مما يشير إلى أن إدارة ترمب الجديدة سوف تتخذ موقفا متشددا تجاه الجماعات الإسلامية الأخرى، مثل "حماس"، و"حزب الله"
على أقل تقدير، يتوقع بوتين الاحتفاظ بالسيطرة على مساحات واسعة من شرق أوكرانيا التي احتلتها قواته وضمتها بالفعل، فضلا عن شبه جزيرة القرم ذات الأهمية الاستراتيجية، وهي تنازلات سيكون من الصعب جدا على كييف قبولها بعد كل التضحيات التي قدمتها في الحرب ضد روسيا خلال العامين الماضيين.
ومن الممكن أن يكون لموقف ترمب تجاه الصراع في غزة أيضا تأثير مهم على النتيجة النهائية؛ فخلال فترة ولايته الأولى كرئيس، أظهر ترمب دعمه لإسرائيل من خلال المساعدة في التفاوض على اتفاقات أبراهام، والتي أسفرت عن تطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدة دول عربية.
ومع ذلك، كان أحد الإخفاقات الكبيرة للاتفاقات تقصيرها في معالجة القضية الفلسطينية، وهو تقصير أرجعه بعض المعلقين إلى اندلاع أعمال العنف الأخيرة بين الفلسطينيين وإسرائيل. ومن خلال تكرار دعم ترمب لإسرائيل، وعدم معالجة المخاوف الفلسطينية، هناك احتمال قوي بأن تسهم إدارته الثانية في تفاقم التوترات في المنطقة، بدلا من حلها.
وسيكون نهج واشنطن تجاه إيران قضية سياسية مهمة أخرى، حيث اتخذ ترمب في السابق موقفا متشددا تجاه محاولات إيران لزرع الفتنة في الشرق الأوسط، إما من خلال طموحاتها النووية أو دعمها لجماعات مرتبطة بما يسمى "محور المقاومة،" مثل "حزب الله"، و"حماس" والمتمردين الحوثيين في اليمن.
وانعكس نهج ترمب المتشدد تجاه التدخل الإيراني في قراره بالسماح باغتيال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، في مطار بغداد شهر يناير/كانون الثاني 2020. كما أنهى مشاركة واشنطن في الاتفاق النووي الفاشل الذي تفاوضت عليه إدارة أوباما مع طهران. ولعبت إدارة ترمب دورا رئيسا في تدمير ما يسمى "خلافة تنظيم الدولة الإسلامية"، مما يشير إلى أن إدارة ترمب الجديدة سوف تتخذ موقفا متشددا تجاه الجماعات الإسلامية الأخرى، مثل "حماس"، و"حزب الله".
على الرغم من أن هناك عشرة أشهر تفصلنا عن موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، إلا أن الآثار المحتملة لاستعادة ترمب السيطرة على البيت الأبيض في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل تحظى بالفعل باهتمام جدي من قِبَل صناع السياسات في مختلف أنحاء العالم.