ارتبطت الإبل في أذهان الكثير من غير السعوديين، بالصحراء القاحلة وشظف العيش والفقر والبداوة بمعناها الذي يوحي بالرجعية. وهذه مفارقة عجيبة إذ يحتفل العالم سنويا في الثالث من مارس باليوم العالمي للحياة البرية، كما وقد اعتادت دول كثيرة على أن تتخذ الحيوانات رموزا خاصة بها تمثل الشعور بالهوية الوطنية.
فالأسد رمز وطني لكل من أرمينيا وبلجكيا وبلغاريا وإيران وأثيوبيا وكينيا والمملكة المتحدة وسنغافوره وسيريلانكا وهولندا، بينما النسر الذهبي المهيب هو الحيوان الوطني لألبانيا ومصر والعراق وألمانيا والمكسيك. أما المها العربي الذي يتأقلم مع بيئته الصحراوية القاسية، فهو ذو معطف أبيض يعكس أشعة الشمس وحوافر واسعة للمشي على الرمال. لا عجب أن دولا مثل الأردن وقطر وسلطنة عمان والإمارات تعتز بهذا الظبي القابل للتكيف وتحرص على الاهتمام به ورعايته. النمر باعتباره أكبر عضو في عائلة القطط يستطيع أن يأكل ما يصل إلى 88 رطلا من اللحم في المرة الواحدة، اتخذته كلّ من بنغلاديش وماليزيا وكوريا الجنوبية وفيتنام وبورما رمزا وطنيا لها. وطائر الدودو الذي انقرض منذ عام 1681 ما زال رمزا وطنيا لمورويشيوس. البجعة هي الرمز الوطني للدنمارك. والكنغر رمز أستراليا، بينما لا يوجد هذا الطائر الذي لا يطير (طائر الكيوي) إلا في الدولة التي تفتخر بأنه حيوانها الوطني – نيوزيلندا، لدرجة أنهم يطلقون على أنفسهم "شعب الكيوي"، والقائمة تطول. فقد أجمعت أغلب دول العالم على رمزية الحيوان الوطنية سواء كانت رمزا للجمال، أو القوة، أو الحظ السعيد، أو ارتبطت بإرث أو أسطورة.
وعلى الرغم من اعتزاز المملكة العربية السعودية القديم والمتوراث بالجمل وحرصها على إقامة مهرجانات وسباق المزايين والتغني بها في مسابقات الشعر، فقد جاءت خطوة تسمية عام الإبل للعام 2024 فكرة لماحة في سياق عالمي يلتفت لأهمية التوازن البيئي واعتبار الحفاظ على الحياة الفطرية والغطاء النباتي والرعوي معيارا لجودة حياة الثقافات، والذي هو من أهم أولويات الخطة السعودية الحكومية للوصول إلى المجتمع الأسعد وتعزيز جودة الحياة طبيعيا واقتصاديا.
ينبغي أن نتأمل في أهمية الإبل كعنصر لا يمكن إغفاله في تعزيز الهوية والاقتصاد المستدام في المملكة العربية السعودية
تأتي سفينة الصحراء لتتربع على عرش عام السعودية الحالي، فلماذا الإبل، وما رمزيتها ثقافيا وكيف يراها السعوديون؟
تتألق الإبل كرمز للهوية الثقافية في المملكة والخليج العربي، إذ تعتبر جزءا حيويا من التراث الثقافي والاجتماعي، فالمملكة العربية السعودية هي موطن لزهاء 1.8 مليونا من الإبل وتساهم بما يزيد عن 2 مليار ريال سعودي (534 مليون دولار) سنويا في الاقتصاد السعودي، ومن المتوقع أن ترتفع الأرقام بشكل كبير في السنوات المقبلة. وقد اقترحت وزارة الثقافة هذا العام، عام الإبل، بعد ثلاثة احتفالات ثقافية سابقة مخصصة للقهوة والخط والشعر وجميعها تجتمع في اعتزازها بالتراث والهوية الوطنية. فالفخر السعودي بهذا الحيوان الاستثنائي امتداد لاعتزاز الملك سلمان وولي عهده حفظهما الله، واستكمال لشغف الملك عبد العزيز بمجموعته من الإبل، بما في ذلك ناقته الخاصة المعروفة بـ "مصيحة".
والجمل ليس حيوانا استثنائيا يعكس التراث فحسب، بل كان جزءا من التجارة القديمة، حيث استخدمته الصين لنقل الحرير والتوابل. كما كان جزءا من رحلات "حلف المطيبين" وأهل مكة إلى اليمن والشام، إذ كان وسيلة نقل وتجارة لأكثر من 400 عام. يخدم الجمل في الوقت الحالي في مجالات متعددة، مثل السباقات وإنتاج الحليب. وتصنّف الإبل العربية وفقا لألوانها ويُقيم أفضلها في مسابقات الجمال. في مجال الاستثمار، هناك شركات متخصصة بإنتاج موارد الإبل، بما في ذلك حليبها، وتصدير منتجاتها إلى أكثر من 25 دولة. وتشهد السياحة في المملكة دورا بارزا للإبل، حيث يستخدم الجمل في جذب الزوار وتقديم تجارب فريدة في الصحراء. أما في مجال الموضة، فرأينا علامات تجارية تصنع صوف الإبل وجلودها في منتجاتها. في خضم هذا التفاعل الحيوي، ينبغي أن نتأمل في أهمية الإبل كعنصر لا يمكن إغفاله في تعزيز الهوية والاقتصاد المستدام في المملكة العربية السعودية. تستشرف رؤية المملكة 2030 مستقبلا يشهد تطورا وتعزيزا لصناعة الإبل، مما يعزز مكانتها كرمز للهوية الثقافية ودافع اقتصادي، فمن المتوقع أن تكون صناعة الإبل أحد المحركات الرئيسية للاقتصاد غير النفطي في المستقبل. وأخيرا يمكن القول أن قافلة الجمال بدأت من كثبان الصحراء الرملية لتكمل مسيرتها إلى جميع أنحاء العالم.