ليل 16 يناير/ كانون الثاني، وجهت القوة الجو-فضائية في "الحرس الثوري" الايرانية، ضربات صاروخية الى اهداف في باكستان وسوريا واقليم كردستان العراق يبعد بعضها الاف الكيلومترات عن الآخر. برر الإيرانيون الهجمات بذرائع عدة، بدا كثير منها غير مقنع او خارج سياق الوضع القائم في المنطقة.
تشمل لائحة "الاعداء" الذين قالت ايران انها استهدفتهم جهاز المخابرات الخارجية الاسرائيلي "الموساد" في مدينة اربيل في اقليم كردستان الذي أدى دورا غامضا في تفجيري كرمان قبل حوالى اسبوعين اثناء احياء ذكرى اغتيال قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني. ومواقع "داعش -خراسان" التي قال الايرانيون ان التنظيم هو المسؤول عن التفجيرين في كرمان وان "هيئة تحرير الشام" ("النصرة" سابقا) تحتضن "داعش خراسان" الى جانب الحزب التركستاني الذي اوردت وسائل الاعلام اشارات عدة الى وجوده في مناطق سيطرة "تحرير الشام" ويضم مقاتلين من قومية الايغور التي تطالب بانفصال اقليم تشنغ يانغ عن الصين. اما "العدو" الثالث فهو "جيش العدل" الذي يضم عناصر من قومية البالوش ويدعو الى الانفصال عن ايران وشن في ديسمبر/ كانون الاول الماضي هجوما على بلدة راسك الايرانية في مقاطعة سيستان – بالوشتستان وسقط فيه 11 شرطيا ايرانيا قتلى.
يتشارك الاعداء المفترضون في انهم شنوا هجمات ارهابية على ايران التي "مارست حقها في الدفاع عن نفسها" على ما شدد المتحدثون باسم طهران. وبغض النظر عن عدم التناسق في الروايات الايرانية عن الاسباب التي جعلت "الموساد" يتولى الإعداد مع "تحرير الشام" لتمرير عناصر "داعش خراسان" الى باكستان من اجل تنفيذ تفجيري كرمان – على الرغم من ان حروبا نشبت بين "تحرير الشام" و"داعش" على مدى سنوات في سوريا- فإن سرد الاسباب هجمة ليل الاربعاء وفق الصحافة الايرانية لا يقدم الصورة الكاملة للموقف.
إذا عدنا في الزمن الى شهر ديسمبر، سنجد ان سفينة يملكها رجل اعمال اسرائيلي (او يملك حصة منها) تعرضت الى هجوم بمسيّرة في بحر العرب على بعد حوالى مئتي ميل بحري من الشواطئ الهندية. استبعد الخبراء ان يكون الحوثيون هم من اطلق المسيرة من اليمن ورجحوا ان الفاعل هو ايران. يومها بدأت الاسئلة عما اذا كانت طهران قد قررت الانخراط مباشرة في الاعمال القتالية الدائرة في اطار الحرب في غزة وما يتفرع عنها من صدام حدودي في لبنان وهجمات صاروخية من العراق واطلاق صواريخ او مسيرات من سوريا.
ينبغي التوقف هنا عند محطات عدة تحدد الموقف الايراني منذ هجوم حركة "حماس" على منطقة غلاف غزة في اسرائيل في السابع من أكتوبر/ تشرين الاول الماضي: ظهر الارتباك الايراني منذ اليوم الاول للهجوم من خلال التشدد في التبرؤ منه ومن تحمل المسؤولية عنه. وبعد اسابيع نُقل عن المرشد الايراني علي خامنئي إبلاغه رئيس مكتب "حماس" السياسي اسماعيل هنية الذي زاره في طهران، رفض دفع "حزب الله" اللبناني الى فتح معركة واسعة النطاق ضد اسرائيل من لبنان بسبب عدم ابلاغ "حماس" المسبق لايران بعملية "طوفان الاقصى". ولا بد أن الايرانيين الذين شاهدوا تدفق المبعوثين ووزراء الخارجية على عواصم المنطقة، بما فيها منافسي طهران وخصومها، شعروا بالعزلة خصوصا بعدما نأوا بأنفسهم عن الهجوم. إذ لا اهمية لهم لا بصفتهم وسيط ولا طرف.