حدود ومخاطر الهجمات الأميركية ضد الحوثيينhttps://www.majalla.com/node/308581/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%AD%D8%AF%D9%88%D8%AF-%D9%88%D9%85%D8%AE%D8%A7%D8%B7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%87%D8%AC%D9%85%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A9-%D8%B6%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%88%D8%AB%D9%8A%D9%8A%D9%86
تفاقم الوضع في البحر الأحمر بشكل كبير، دون وجود أي علامات على إمكانية الوصول إلى تهدئة. وأثبتت التدابير الدفاعية التي اتخذتها الولايات المتحدة وحلفاؤها لتحييد تأثير هجمات الحوثيين على تحركات السفن في هذا الشريان التجاري الحيوي عدم فعاليتها، مما دفعهم نحو التحول إلى موقف هجومي.
وردا على ذلك، شنت القوات الأميركية والبريطانية ضربات ليلية على مواقع عسكرية في اليمن، بهدف إضعاف القدرات العسكرية لجماعة الحوثي. وعلى الرغم من هذه الرسالة القوية، فقد أعلن الحوثيون عزمهم الرد على الغارات الجوية الـ73 التي أسفرت عن مقتل خمسة من مقاتليهم، وتعهدوا بمواصلة هجماتهم تضامنا مع فلسطين.
وعلى الرغم من رفض الحوثيين تغيير مسارهم، فإنه من غير المرجح أن تبدأ الولايات المتحدة وحلفاؤها حملة عسكرية شاملة وطويلة الأمد ضد الجماعة المسلحة. ويعود هذا التردد إلى القيود المرتبطة بالعمليات العسكرية ضد الجماعة والمخاطر المختلفة التي تشكلها هذه الإجراءات على الولايات المتحدة والمنطقة بأسرها.
وكان الحوثيون قد بدأوا باستهداف السفن التجارية المرتبطة بتل أبيب في البحر الأحمر منذ أواخر أكتوبر/تشرين الأول ردا على الحرب الإسرائيلية على غزة، واستخدموا طائرات مسيرة وزوارق سريعة وصواريخ كروز للهجوم البري، كما استخدموا صواريخ بالستية مضادة للسفن، وهو ما يُعدّ سابقة في هذا النوع من الحوادث العالمية. ونتيجة لذلك، قامت عدة شركات شحن دولية كبيرة بتعليق عملياتها في منطقة البحر الأحمر، مما أدى إلى إطالة المدة الزمنية للرحلات، وتسبب في تأخير وصول الشحنات وزيادة تكاليف الشحن.
سيكون تأثير الهجمات الأميركية محدودا بشكل كبير بسبب الدعم الإيراني المستمر للحوثيين، والذي يمكّنهم من مواصلة العمليات في البحر الأحمر على الرغم من النكسات
وحتى وقت قريب، كانت استجابة الولايات المتحدة وحلفائها عبارة عن رد فعل، يتضمن في المقام الأول اعتراض صواريخ الحوثيين عند اقترابها من السفن العسكرية الغربية المتمركزة في البحر الأحمر. ولكن هذه التدابير الدفاعية فشلت في ثني شركات الشحن الكبرى عن تعليق عملياتها في هذا الشريان التجاري الحيوي في المستقبل المنظور. ولاحقا، أصدرت الولايات المتحدة، إلى جانب دول أخرى، تحذيرا أخيرا للحوثيين، تطالبهم بوقف هجماتهم أو مواجهة العواقب.
وعلى الرغم من هذا الإنذار الصارم، فقد واصل الحوثيون هجماتهم، وكان أهمها يوم 9 يناير/كانون الثاني، حين أطلق الحوثيون 18 طائرة مسيرة انتحارية وثلاثة صواريخ كروز مضادة للسفن، في ما يعتبر أكبر هجوم في البحر الأحمر حتى الآن. كما أصدرت الجماعة المسلحة بيانا بعد ذلك، أكدت فيه أن هذه الهجمات كانت تستهدف القوات الأميركية انتقاما لمقتل مقاتلين حوثيين قبل أيام.
وفي حين أن الهجمات الانتقامية ضد أهداف في اليمن ربما يكون لها مبرر عسكري واضح، فإن الطريق إلى وقف هجمات الحوثيين بشكل فعال معقد للغاية. ويمكن أن يفسر هذا التعقيد جزئيا سبب تردد إدارة بايدن في تبني هذا النهج الهجومي بشكل كامل، حتى بعد بدء الهجمات ضد أهداف الحوثيين.
وتعتبر القدرات العسكرية لميليشيا الحوثي منخفضة التقنية نسبيا، وتفتقر إلى أهداف حيوية واضحة- مثل البنية التحتية المكلفة أو السفن الحربية الكبيرة- والتي يمكن للجيش الأميركي القضاء عليها بسهولة. وبخبرتهم التي استمرت لأكثر من عقدين من الزمن في حرب العصابات، جعل الحوثيون هذه المهمة أكثر صعوبة من خلال توزيع أسلحتهم الثقيلة وقواعدهم ومعسكراتهم وإخفائها. حيث عززت هذه الاستراتيجية حركتهم القتالية وزادت من صعوبة تحديد أصولهم وتحييدها.
لذلك، فمن الصعب تحديد أهداف حيوية يمكن أن يطغى تأثير ضربها على المكاسب الكبيرة التي يجنيها الحوثيون من هذه الهجمات؛ إذ أصبحت هجماتهم حجر الزاوية في جهود علاقاتهم العامة المحلية والدولية، كما يتضح من إنتاج ونشر مقاطع فيديو ترويجية على نطاق واسع لعرض عملياتهم في مضيق باب المندب.
وعلى الجبهة الداخلية، كانت هذه الهجمات بمثابة وسيلة لتعزيز الدعم، وجذب مجندين جدد، وتعزيز موقفهم في الحرب الأهلية اليمنية التي طال أمدها. أما على المستوى الخارجي، فتهدف هجمات الحوثيين جزئيا إلى حشد الدعم الإقليمي والعالمي، عبر تصوير أنفسهم كقوة صامدة تقف في وجه إسرائيل.
وسيكون تأثير الهجمات الأميركية محدودا بشكل كبير بسبب الدعم الإيراني المستمر للحوثيين، والذي يمكّنهم من مواصلة العمليات في البحر الأحمر على الرغم من النكسات. فبحسب ما ورد، قامت إيران بتزويد الحوثيين بالتمويل والأسلحة المتطورة، بما في ذلك طائرات مسيرة وصواريخ كروز الهجومية الأرضية وصواريخ باليستية. وبحسب ما ورد أيضا، فإن طهران تلعب دورا كبيرا في تخطيط وتسهيل هجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر. ولذلك، فإن هذه الضربات، التي لا يبدو أنها تتعامل مع الدور الإيراني، ستفشل في تعطيل الإمدادات الإيرانية وستحول الهجمات ضد الحوثيين إلى لعبة "ضرب الخلد" لا نهاية لها.
يمكن أن يستخدم تورط القوات الأميركية في هذه المواجهات، خاصة إذا طال أمدها، ضد بايدن في الحملات الانتخابية والمناظرات
وعلاوة على ذلك، باستثناء المملكة المتحدة، من غير المرجح أن ينضم معظم حلفاء الولايات المتحدة الذين أصدروا الإنذار النهائي إلى حملة عسكرية ضد الحوثيين. وإدراكا للتحديات والمخاطر التي ينطوي عليها الأمر، من المرجح أن تستمر معظم الدول، مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا، في حصر مشاركتها العسكرية في البحر الأحمر في حماية سفن بلادها. لذا، فبالإضافة إلى تحملها مسؤولية تنفيذ الهجمات، من المرجح أن يقع عليها عبء التداعيات أيضا.
إلى جانب تأثيرها المحدود، فإن شن حملة عسكرية كاملة ينطوي على مخاطر أمنية وسياسية كبيرة؛ إذ إن الدخول في حملة عسكرية ضد الحوثيين يمكن أن يزيد من تورط الرئيس جو بايدن في الشرق الأوسط خلال عام انتخابي حاسم. وكان الدعم الأميركي للحرب الإسرائيلية على غزة قد أثار سلسلة من الهجمات على القوات الأميركية في العراق وسوريا منذ أكتوبر/تشرين الأول.
وعلى الرغم من محاولات أميركا تجنب الاشتباكات مع القوات المدعومة من إيران، فإن هذه الهجمات دفعت نحو اتخاذ إجراءات انتقامية، بما في ذلك حادثة وقعت في بغداد واستهدفت قائدا عراقيا رفيع المستوى. وفي هذا السياق، من المرجح أن تضع جماعة الحوثيين شن الهجمات ضدها، من بين أمور أخرى، ضمن إطار الخطوات المؤيدة لإسرائيل. ومن المرجح أن يؤدي هذا التأطير إلى تصعيد العمليات ضد القوات الأميركية في المنطقة، مما يؤدي إلى سقوط ضحايا وزيادة التدخل العسكري.
وبعيدا عن المخاطر الأمنية التي تهدد الاستقرار الإقليمي، فإن مثل هذا التصعيد المتزايد يمكن أن يضر بفرص إعادة انتخاب بايدن، خاصة مع تسارع وتيرة موسم الحملات الانتخابية لعام 2024. ولا تزال تعهدات بايدن بإنهاء الحروب، على الرغم من الانسحاب الأميركي من أفغانستان، عرضة للتحدي.
ومن المرجح أن يستخدم تورط القوات الأميركية في هذه المواجهات، خاصة إذا طال أمدها، ضد بايدن في الحملات الانتخابية والمناظرات. وسيزداد تأثير هذه القضية على الانتخابات بشكل خاص إذا أدى التصعيد إلى اشتباك عسكري أميركي مكثف أو خسارة للقوات الأميركية.
من المرجح أن تلتزم إدارة بايدن بشن هجمات محدودة ومتفرقة كإجراء لحفظ ماء الوجه بدلا من اتباع استراتيجية موجهة نحو الهدف
كما أن التصعيد ضد الحوثيين يهدد أيضا بإعادة إشعال الحرب الأهلية اليمنية التي طال أمدها، والتي تشهد حاليا وقفا لإطلاق النار. ومن الممكن أن يهدد هذا الإجراء المفاوضات الجارية التي تقودها السعودية مع الحوثيين، والتي تحمل إمكانية المساهمة في حل الصراع اليمني.
وبحسب ما ورد، فقد جرى التوصل إلى اتفاق مبدئي بعد مفاوضات مكثفة ويجري الآن تعميمه على الجهات المعنية المحلية والدولية للموافقة عليه، بهدف الانتهاء من جميع الترتيبات اللازمة. إن نجاح مثل هذا الاتفاق سيكون أساسيا لاستقرار اليمن والمنطقة ككل. وعلى النقيض من ذلك، فإن الضربات الهجومية المطولة ضد الحوثيين تخاطر بتعريض هذا الاتفاق المحتمل للخطر، وتحويله إلى ضحية للمواجهة مع الجماعة حول مضيق باب المندب.
ومن المرجح أن المخاطر المرتبطة بشن حملة شاملة وطويلة ضد الحوثيين يمكن أن تدفع الولايات المتحدة إلى تبني أساليب أكثر حذرا. ومن المرجح أيضا أن تلتزم إدارة بايدن بشن هجمات محدودة ومتفرقة كإجراء لحفظ ماء الوجه بدلا من اتباع استراتيجية موجهة نحو الهدف. وفي الوقت نفسه، يمكن أن تكتشف الولايات المتحدة وحلفاؤها خيارات لتعزيز حماية السفن التجارية، وربما تنفيذ أنظمة قوافل ترافقها سفن حربية.
وعلى الرغم من فعالية مثل هذه التدابير في تعزيز أمن سفن الشحن، فإنها من غير المرجح أن تحبط هجمات الحوثيين بشكل كامل. وكان سبب التصعيد ضد الشحنات الدولية هو الحرب الإسرائيلية على غزة، ويظل حل هذا الصراع هو الوسيلة الأساسية لنزع فتيل التوترات في البحر الأحمر دون مزيد من التداعيات.