بوجه مُحمّر من الغضب، ونظرة جليدية مُخيفة، كانت تفتتح لقطات التحقيقات مع المليونير الأميركي جيفري إبستين، حلقات المسلسل التسجيلي الذي خصصته له نتفليكس "فليثي ريتش" أو ثراء فاحش، عام 2020، بعد عام على موته في السجن، سنة 2019. اليوم يتصّدر المسلسل مجددا قائمة "الترند"، إذ يود المُشاهدون أن يعرفوا قصة الرجل الذي تُردّد حاليا وسائل الإعلام العالمية اسمه بكثافة، على خلفية تسريب قائمة بأسماء مُقرّبين منه وزائرين له في جزيرة "سان ليتل جيمس"، التي ذهب البعض إلى حد وصفها بـ "جزيرة الشيطان". من بين القائمة نعثر على أسماء مشاهير، مُمثلين لكن أيضا سياسيين وحتى العالِم الشهير ستيفن هوكينغ.
هذه القضية تعاند الموت، على ما يبدو. إبستين، حوكم من قبل، وأفلت من العدالة، بعد أن عقد مع مُمثليها صفقة خرج بموجبها من السجن، ومارس حياته الطبيعية (أو غير الطبيعية على الأرجح)، مُستفيدا من شبكة علاقاته المهولة. اللقطات التي تفتتح حلقات المسلسل تُظهِر إلى جانب غضبته من أنه موضِع مساءلة قانونية (وهو ما كان يرفضه بشدة شخصه النرجسي، حسب توصيف مُتخصصة نفسية)، إصراره على التكتم، تكبُّره أمام المُحققين وثقته من أنه لا يُهزم. حتى أكثر الأسئلة إحراجا، من قبيل: ما الذي يجذبك إلى الصَبايا القاصرات سيد جيف؟ وهل تعرضت في طفولتك لأي نوع من الاعتداء؟ كان يُجيب عنها بابتسامة خبيثة، وبكلمات مُكررة إلى حد السأم، من نوع: كنت أود أن أجيب عن سؤالك، لكني أتمسك بتعديلات القانون كذا لسنة كذا... وهو يقرأ من زاوية نظارته ما هو مكتوب في ورقة بيده، كأنه يُعطي محاضرة لطلبة في القانون. وإزاء الأسئلة الأكثر استفزازا، كان يسخر، متوسلا غروره: هل تمازحني؟
التسجيلي الذي يتشكّل من أربع حلقات، يحاول أن يرسم صورة ما لما يُمكن أن يكون قد حدث. صورة تشبه الرسوم التي ينجزها الفنانون في قاعات المحاكم التي لا تدخلها الكاميرا، لكنها أقل تحديدا بكثير. تظلّ منقوصة، ليس لأنها من وجهات نظر ضحايا قُصَّر كُن يتبدلن باستمرار، ويلعبن أدوارا محدّدة في ترسانة رغبات إبستين الأخطبوطية، إنما أيضا لأن الكثير من الأطراف الأخرى، التي كان بوسعها إخبارنا بما حدث فعلا، وكيف حدث، فضّلوا الصمت، وعلى رأس هؤلاء جيفري إبستين نفسه.