هل استعصى وقف الحرب في السودان؟https://www.majalla.com/node/308561/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D9%87%D9%84-%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%B9%D8%B5%D9%89-%D9%88%D9%82%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86%D8%9F
"ترى حكومة السودان أنه ليس هناك ما يستوجب عقد قمة لمناقشة أمر السودان قبل تنفيذ مخرجات القمة السابقة". هذا جزء من نص بيان أصدره مجلس السيادة في السودان، بعد تلقيه دعوة لحضور قمة "الإيقاد" المزمع عقدها يوم الخميس 18 يناير/كانون الثاني الجاري.
ومجلس السيادة الذي يرأسه الفريق أول عبد الفتاح البرهان هو الحاكم الفعلي للبلاد. وما لم يتحقق من القمة السابقة هو لقاء البرهان وقائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو- حميدتي، الذي كان قد تقرر في قمة "الإيقاد" التي عقدت يوم 9 ديسمبر/كانون الأول 2023 بشأن السودان، وحضرها البرهان.
وكانت "الإيقاد" قد حصلت على موافقة القائدين، ولكن حميدتي تخلف عن الحضور، وقالت "الإيقاد": "إن أسبابا فنية منعت اللقاء"، الأمر الذي تنظر إليه حكومة السودان على أنه عذر "واهٍ". وعندما سألت عن موقف حميدتي من القمة التي ستعقد يوم 18 فإنه رد بالموافقة في بيان، وقال: "اتساقا مع موقفنا الثابت الداعم للحل السلمي الشامل، الذي ينهي مرة واحدة وللأبد الحروب في السودان عامة، وحرب الخامس عشر من أبريل/نيسان خاصة، أكدت... قبول دعوة الحضور والمشاركة في الدورة".
أحد أهم البنود التي طالبت وزارة الخارجية بحذفها حتى تعترف ببيان "الإيقاد" كان "تصحيح ما ورد بشأن موافقة السيد رئيس مجلس السيادة الانتقالي على لقاء قائد التمرد"
بعد ساعات قليلة من صدور البيان النهائي لقمة "الإيقاد" يوم 10 ديسمبر/كانون الأول التي وافق خلالها البرهان على لقاء حميدتي، صدر بيان باسم وزارة الخارجية السودانية ترفض فيه ما جاء في البيان الختامي، مستخدمة دبلوماسية غليظة إلى الدرجة التي قالت فيها: "البيان لا يعنينا وحكومة السودان ترفض ما فيه إلا بعد تعديله"، على الرغم من وجود ممثل لوزارة الخارجية ضمن اللجنة التي صاغت البيان. وكان هذا مؤشر الارتباك الأول الذي جر على الخارجية انتقادات واسعة لم تستطع معها الدفاع عن موقفها، وفضلت الصمت على مواجهة الانتقادات.
ارتباك موقف
غير أن أحد أهم البنود التي طالبت وزارة الخارجية بحذفها حتى تعترف ببيان "الإيقاد" كان كالآتي: "تصحيح ما ورد بشأن موافقة السيد رئيس مجلس السيادة الانتقالي على لقاء قائد التمرد؛ إذ إن السيد الرئيس اشترط لعقد مثل هذا اللقاء إقرار وقف دائم لإطلاق النار، وخروج قوات التمرد من العاصمة وتجميعها في مناطق خارجها".
والمفارقة أن بيان وزارة الخارجية اللاحق لهذا البيان أكد ذهاب البرهان للقاء حميدتي، منتقدا قبل كل شيء غياب قائد "الدعم السريع"، مع العلم أن سكرتارية "الإيقاد" تجاهلت بيان حكومة السودان ولم تحذف أو تصحح فقرة من فقرات البيان الختامي. كما أن "الدعم السريع" لم يستجب لشرط البرهان المتعلق بوقف إطلاق النار أو الخروج من منازل المواطنين.
وهنا بلغ الارتباك ذروته، غير أن الموقف الأخير بعدم حضور القمة المزمعة بزعم أن الأوضاع التي يعيشها السودان لا تستدعي قمة، يعد الارتباك الأكبر بحسب محللين سياسيين. وقال المحلل السياسي ورئيس تحرير صحيفة "التيار" السودانية عثمان ميرغني، قال في مقطع مسجل: "مجلس السيادة أضاع فرصة كبيرة بعدم مشاركته في قمة الإيقاد؛ لأن مشاركته كانت فرصة لإبلاغ احتجاجه للإيقاد وللعالم".
وانتقد ميرغني الطريقة التي يدار بها الملف منذ رفض البيان إلى تقديم الاحتجاجات بعيدا عن منصة القمة وجاء الاحتجاج صريحا في البيان: "إلا أن الإيقاد لم تلتزم بتنفيذ مخرجات القمة الأخيرة في جيبوتي بلقاء رئيس مجلس السيادة وقائد التمرد ولم تقدم تبريرا مقنعا لإلغاء اللقاء الذي دعت له الإيقاد بتاريخ 28 ديسمبر/كانون الأول 2023 بحجة أن قائد التمرد لم يتمكن من الحضور لأسباب فنية".
المشاركة تحت الضغط أو الإغراء لن تؤدي إلى النتائج المنتظرة ولربما اكتفى البرهان أو وفده بالحضور دون الالتزام بالمخرجات في رد الصاع لـ"الإيقاد" نفسها أو في اختبار للضغوط أو انتظار الوعود
رد وزارة الخارجية السودانية الغليظ الغاضب على بيان قمة "إيقاد" الأخيرة وضع حكومة السودان في وضع المتشكك في نوايا دول "الإيقاد" وفي حيادها تجاه القضية المطروحة. ويرى خبراء تعجل وزارة الخارجية وعدم توفيقها في البيان الذي صدر بعد اطلاع مندوبها في لجنة الصياغة عليه، وكان عليها اتباع طرق أكثر دبلوماسية بإرسال خطاب لسكارتارية "الإيقاد" بدلا من بيان للرأي العام. ومأزق الحكومة أن قائد الدعم السريع حميدتي استغل توتر العلاقة بين الحكومة السودانية ودول "إيقاد" وقام بزيارتها واحدة تلو الأخرى وتم استقباله بترحاب شديد. وهنا ستذهب الأمور في مسارين: أولا أن ترفض حكومة السودان التعامل مع منبر منظمة "الإيقاد" التفاوضي بحساب أن "الإيقاد" التي لم تعاقب حميدتي على الغياب منحازة واستقبال دولها له تأكيد لهذا الانحياز وهذا تحديدا ما ورد في رد الخارجية السودانية على دعوة القمة المزمعة يوم الخميس 18 يناير/كانون الثاني، وإن لم تشر إلى زيارته واستقباله من قبل الدول.
خطر دبلوماسي
أما المسار الثاني فسيؤدي بالبرهان إلى المشاركة في القمة بعد أن يتعرض إلى ضغوط دولية أو إغراءات، وفي ظن كثيرين أن ظهور مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الجديد رمضان العمامرة في هذا التوقيت ومقابلته البرهان وقيادة من مجلس السيادة في مدينة بورتسودان يصب في هذا الاتجاه، غير أن المشاركة تحت الضغط أو الإغراء لن تؤدي إلى النتائج المنتظرة ولربما اكتفى البرهان أو وفده بالحضور دون الالتزام بالمخرجات في رد الصاع لـ"الإيقاد" نفسها أو في اختبار الضغوط أو انتظار الوعود. وفي كل الأحوال يبقى السودان وأهله في خضم الأزمة دون أن تلوح لها حلول وينفض منبر "الإيقاد" كما انفض منبر جدة قبل ذلك.
يعتبر تضارب الآراء والمواقف حول الجلوس للتفاوض من عدمه، ناهيك عن القبول بالمخرجات، مؤشرا على عمق أزمة السلام وتعمقها في المستقبل
قرار عدم المشاركة في قمة "الإيقاد" في كمبالا تسبب في إحباط قطاع واسع من السودانيين داخل السودان ومناطق اللجوء والنزوح كانوا يتطلعون إلى إنهاء القتال والعودة إلى ديارهم وحياتهم الطبيعية وأخذو يقدمون نقدا في شكل سؤال: "ما هو الحل؟ هل فقط الرفض؟". بينما رحبت مجموعة من داعمي استمرار الحرب بالقرار.
رفض بلا بدائل
الفريق الأول طرح سؤاله من واقع الحرب نفسها التي عجز كل طرف بعد عشرة أشهر من القتال عن تحقيق نصر حاسم فيها، مع تمدد قوات الدعم السريع في بعض المناطق، وآخرها ولاية الجزيرة، في الوقت الذي لم يتمكن فيه الجيش من استرداد المناطق التي ينتشر فيها "الدعم"، مدنية كانت أو عسكرية. وبرزت آراء كثيفة من سودانيين على مواقع السوشيال ميديا تطالب الجيش بتقديم حل للأزمة إن كان لا يقبل بحلها تفاوضيا؛ المحلل السياسي والصحافي السوداني ماهر أبو الجوخ، في مقطع فيديو، اتفق مع مطلب رواد السوشيال ميديا متهما في ذات الوقت دعاة الحرب من "الإخوان المسلمين" في السودان بالوقوف خلف إرباك قرارات الجيش ورفضهم للحلول السلمية دون مراعاة الواقع الذي يعيشه شعب السودان.
رئيس الحركة الشعبية– التيار الثوري، ياسر سعيد عرمان، ذهب أبعد من ذلك، وطلب في تدوينة على منصة "إكس" من جماعة النظام البائد في الخارجية والجيش بالسماح للجيش بالحصول على فرصته في المناورة وعدم إغلاق الباب مع "الإيقاد" والمجتمع الإقليمي والدولي وإدخال الجيش في عزلة. وجاء في التغريدة: "إن فلول الخارجية تمكنوا من إصدار قرار بعدم المشاركة في اجتماع (الإيقاد) بكمبالا".
وأضاف: "لم يتعلموا شيئا، إذ يعمقون عزلة القوات المسلحة داخليا وخارجيا". وفي الجانب الآخر وجد قرار عدم المشاركة ترحيبا حارا من قادة النظام السابق. وكتب الصحافي الإسلامي عادل الباز: "حسنا فعل الرئيس البرهان حين اعتذر عن المشاركة فى مسرح العرائس هذا المنصوب في كمبالا يوم 18 يناير/كانون الثاني المقبل".
ووصف الباز منظمة "الإيقاد" بأنها منظمة لمكافحة الجراد، مشيرا إلى أنها منحازة للمتمرد حميدتي على حد قوله، وذهب أبعد من عدم مشاركة البرهان في القمة، بل طالب بخروج السودان من المنظمة. وقال: "الخطوة الثانية التي تليق بنا، هي مغادرة هذه المنظمة فورا، وقد فعلتها من قبل إريتريا، فلم تقم القيامة ولا جرى نبذ إريتريا في أفريقيا، بعد جرد الحساب هذا من الأفضل أن نترك هذه المنظمة لتكافح جرادها ونتفرغ نحن لمكافحة المتآمرين داخليا وخارجيا".
قطعا يعتبر تضارب الآراء والمواقف حول الجلوس للتفاوض من عدمه، ناهيك عن القبول بالمخرجات، مؤشرا على عمق أزمة السلام وتعمقها في المستقبل.
تنحصر أهمية القمة التي ستعقد في كمبالا يوم الخميس في كونها مؤشرا لاتجاهات مستقبل النزاع في السودان
أمام مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى السودان الجديد رمضان العمامرة مهمة وحيدة عسيرة هي تحقيق السلام في السودان، وإنهاء الحرب، بينما كانت مهمة سلفه فولكر بيرتس دعم الانتقال والتحول المدني الديمقراطي في السودان، لذا ناصبه أعداء الانتقال والتحول المدني الديمقراطي العداء قبل أن يبلغ المجال الجوي السوداني، وتعثرت مهمته بعد انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وباتت مستحيلة بعد اندلاع الحرب يوم 15 أبريل/نيسان من العام نفسه، ليجد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مضطرا إلى إنهاء بعثة "ينتامس" كلية، نهاية العام الماضي.
هل ينجح المبعوث الجديد؟
العمامرة الجديد رجل المهمة الواحدة، انطلق من القاهرة، وبدأ بلقاء شركاء برهان في الانقلاب من المدنيين الذين كانوا يرددون أن فولكر منحاز للقوى الأخرى في "الحرية والتغيير" ثم التقى قائد الجيش وأعضاء مجلس السيادة، وخرج بتصريحات إيجابية عن اللقاء، وبادله مجلس السيادة ذات الإجابة. وعلى حد رأي كثير من المحللين، فإن الرجل جاء مستبطنا تجربة بيرتس، ويريد أن يمضي في اتجاه معاكس للدرجة التي رفعت له فيها القوى السياسة بطاقة تحذير حتى لا يمضي بعيدا في هذا الطريق. ولكن قدرة العمامرة على إنجاز مهمته في تحقيق السلام تتجلى في قمة الخميس 18 يناير/كانون الثاني، في كمبالا. فإذا نجح في إقناع قائد الجيش بالحضور، سيكون أقرب إلى النجاح، وحال فشل في ذلك وقدم رؤية حقيقية ملزمة لما بعد القمة، أيضا لن يكون بعيدا من النجاح، وإن كان لا هذا ولا ذاك، فستكون مهمة الرجل بالغة التعقيد، ومصير فولكر ليس ببعيد.
قمة تقرير المصير
تنحصر أهمية القمة التي ستعقد في كمبالا يوم الخميس في كونها مؤشرا لاتجاهات مستقبل النزاع في السودان؛ إذا جمعت الأطراف ستمهد الطريق للحلول التفاوضية، وإن لم تفعل فستضع المجتمع الإقليمي والدولي أمام امتحان صعب يتمثل في ضرورة البحث عن طرق أخرى لإنهاء النزاع في السودان. كما أن المشاركة فيها والالتزام بمخرجاتها يدلل على من يريد السلام ومن يراوغ؟ البرهان أم حميدتي؟ أم كلاهما؟