ربما قضى المراقبون السياسيون والمحللون في الشرق الأوسط وقتا أطول في الاستماع إلى دينيس روس من أي دبلوماسي أميركي آخر في التاريخ الحديث، فهناك اهتمام كبير بآرائه حول المعضلة الإسرائيلية- العربية والقضية الفلسطينية.
عمل روس على مدار 34 عاما في الحياة السياسية والدبلوماسية في الإدارات الأميركية المتعاقبة من جيمي كارتر إلى باراك أوباما. لذا، كان مهما للغاية إجراء مقابلة معه لمعرفة آرائه حول قضايا محددة تعتقد "المجلة" أنها مهمة في المرحلة الحالية من الحرب، بما في ذلك اليوم التالي لحرب غزة، والوزراء وصناع القرار اليمينيون المتطرفون في حكومة الحرب الإسرائيلية، واستراتيجية الخروج من الوضع الراهن، ومستقبل التطبيع الإسرائيلي- العربي، والتصعيد الكبير بين إسرائيل وجماعة "حزب الله" اللبنانية.
ويعتقد روس أن ترك "حماس" تسيطر على قطاع غزة سينتهي بكارثة. وبينما يبحث الجميع عن خطة سياسية للصراع المعقد في غزة، يحذر الدبلوماسي الأميركي المخضرم من سيناريو معين يمكن أن يؤدي إلى كارثة، وهو أن "تقيم في غزة نموذجا على غرار نموذج حزب الله في لبنان، حيث إن لديك حكومة، لكنها في الأساس لا تستطيع أن تفعل شيئا لا يريده حزب الله".
ويضيف: "لبنان لم يكن يوما دولة فاشلة، لكن حزب الله حولها إلى دولة فاشلة. والآن، يعاني أكثر من 80 في المئة من سكان البلاد من الفقر. هذا هو المستقبل الذي تعد به حماس سكان غزة إذا احتفظت بالسيطرة".
وفي عام 1993، عين الرئيس بيل كلينتون روس مبعوثا للشرق الأوسط، إذ ساعد الإسرائيليين والفلسطينيين في التوصل إلى الاتفاق المؤقت لعام 1995 بشأن الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة وتوسط في البروتوكول المتعلق بإعادة الانتشار في الخليل عام 1997. كما قام بتسهيل معاهدة السلام بين إسرائيل والأردن عام 1994 وحاول الجمع بين إسرائيل وسوريا في مفاوضات غير مباشرة.
وبصفته جزءا من قصة الصراع من أجل السلام المفقود في الشرق الأوسط بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ينتقد روس بشدة العناصر المتطرفة على جانبي المعادلة السياسية؛ أي أولئك الذين لا يعترفون بوجود الآخر. فهو لا يرى مكانا لـ"حماس" في غزة ما بعد الحرب، حتى لو ظهرت "حماس جديدة"، لأن "حماس"، كما يقول، تتبنى وجهة نظر طويلة الأمد تتلخص في أن "نتعامل مع كل جمهورنا كما لو كانوا شهداء. ربما لا يريدون أن يكونوا شهداء، لكننا سنعاملهم كشهداء. وكما تعلمون، هم يعتقدون أنه مثلما نجحت طالبان بمرور الوقت، يمكننا أن ننجح مع مرور الوقت. قد يستغرق الأمر منا 20 عاما أو 40 عاما أو 100 عام، ويمكن أن ننجح بمرور الوقت".
يقول روس: "أنا لا أبحث عن شيء شكلي لجعلهم أكثر قبولا في المجتمع الدولي، دون تغيير ماهيتهم".
أما في صفوف صانعي السياسة اليمينيين المتطرفين في الحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو، فهناك وزراء- مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريش، ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير- يؤمنون بأنه لا يوجد شيء اسمه "شعب فلسطين"، ويتحدثون علنا عن "إسرائيل الكبرى"، الخالية من العرب، والتي تقع حدودها داخل أجزاء من سوريا والأردن، بالإضافة إلى الضفة الغربية وغزة.
إن تسويق أفكار من هذا النوع من قبل الآيديولوجيين المتطرفين، وفقا لروس، هو جزء من السياسات المتطرفة السامة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
ويحذر روس من أن "سموتريتش وبن غفير يخلقان إمكانية لحدوث انفجار في الضفة الغربية. وعلى رئيس الوزراء نتنياهو أن يختار".
وإليكم نص المقابلة بالكامل:
* يبدو أن الولايات المتحدة لا تضغط على إسرائيل للتوصل إلى تسوية سلمية في غزة. أعني أن الوضع في غزة بائس: موت ومرض وجوع وتشريد، والكل يتفرج. لكن الولايات المتحدة تتمتع بنفوذ كبير إن لم يكن الأكبر، على إسرائيل لوضع حد لهذه الحرب؟
- التحدي هنا، إذا انتهت الحرب اليوم فإن (زعيم "حماس" يحيى) السنوار سيظل في السلطة. وستكون "حماس" قادرة على إعادة بناء نفسها. وبعد ذلك سوف تفعل مجددا ما فعلته سابقا. نعم، نريد أن نرى نهاية للحرب والمعاناة وإطلاق سراح الرهائن. ولكن إذا جاءت النتيجة النهائية، وتركت "حماس" مسيطرة، وفي وضع يمكنها من إعادة تسليح نفسها، وسوف تفعل، فأعتقد أن إسرائيل تكون قد فرضت حجرا على نفسها. وانظر ماذا فعلت "حماس"، بنَت قاعدة صناعية عسكرية وتسلحت بمجموعة واسعة من الأسلحة. لم تطور غزة فوق الأرض. طورت منطقة تحت الأرض وطورت قاعدة صناعية عسكرية لا علاقة لها ببناء غزة.
لذا، إذا انتهت الحرب الآن واستطاعت "حماس" إعادة تشكيل نفسها، فسوف تعيد الكرّة مجددا، ولن تنتهي معاناة الآلاف أبدا. لذلك إذا سألتني ما هو الجواب على المدى القصير لإنهاء هذا؟ فليرحل قادة "حماس" إذا كانوا يهتمون بمعاناة الفلسطينيين. ويمكن أن يكون لديك إدارة مختلفة.
لا يمكن أن تكون النتيجة كذلك و"حماس" ما زالت هي المسيطرة. وإلا فأنت تقيم نموذجا على غرار نموذج "حزب الله"، حيث إن لديك حكومة في لبنان، لكنها في الأساس لا تستطيع أن تفعل شيئا لا يريده "حزب الله". ونعلم ماذا كانت نتيجة ذلك.
لبنان لم يكن يوما دولة فاشلة وحولها "حزب الله" إلى دولة فاشلة. والآن، يعاني أكثر من 80 في المئة من سكان البلاد من الفقر. هذا هو المستقبل الذي تعد به "حماس" سكان غزة إذا احتفظت بالسيطرة، ناهيك عن احتمال نشوب صراع آخر. لذلك من الجيد أن نقول إننا بحاجة إلى السلام لإنهاء المعاناة. ولكن إذا ظلت "حماس" مسيطرة، فإن هذا لن ينهي المعاناة. ستعاني غزة من الفقر إلى الأبد، وهذا سيؤدي إلى حرب أخرى في مرحلة مختلفة.
* كيف يمكن لإدارة بايدن أن تتعامل مع صناع القرار والسياسات في الحكومة الإسرائيلية الحالية، التي تتبنى الفكر اليميني المتطرف؟ وفيها وزراء يدعون علنا إلى إخلاء غزة من سكانها ويرفضون إعطاء الفلسطينيين شبرا واحدا ولا حتى من الأراضي المحددة على أساس حدود عام 1967؟
- لا أعتقد أن الادارة تستطيع ذلك. ما دام (وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل) سموتريش و(وزير الأمن القومي إيتمار) بن غفير قادرين على الاعتراض على ما ستفعله هذه الحكومة الحالية. من الصعب جدا تغيير أي شيء.
أعتقد أن على إدارة (بايدن) أن تكون واضحة، وعلى رئيس الوزراء نتنياهو أن يتخذ خيارا. أن يكون لديه طريق للمضي قدما، يعمل لصالح إسرائيل ويخلق إمكانات لمستقبل مختلف تماما، كما يسمح أيضا لإسرائيل بأن لا تضطر إلى البقاء في غزة والتهدئة داخل الضفة الغربية. لا شيء من هذا ممكن. مع وجود سموتريتش وبن غفير ،وهذه القبضة التي تخنق ما تفعله الحكومة، لن ينجح الأمر.
إنهم لا يفرجون عن فلس واحد للسلطة الفلسطينية. هذه أموال يجمعها الإسرائيليون لصالح السلطة الفلسطينية ويقول (سموتريتش) ليس للسلطة فلس واحد. فقد كان 150 ألف فلسطيني من مواطني السلطة يعملون يوميا في إسرائيل قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول، وهو ما يوفر ثلث الناتج المحلي الإجمالي في الضفة الغربية. والآن لا يمكنهم العمل في إسرائيل. لذا فالأموال المفقودة هي ما تحتاجه السلطة الفلسطينية لتكون قادرة على العمل، وهذه الأموال لن تأتي.
إنهم يخلقون إمكانية لحدوث انفجار في الضفة الغربية. كما تعلمون، يمكننا تجنب ذلك. وسيكون على حكومة نتنياهو أن تتعامل مع هذا الأمر. وعلى نتنياهو في مرحلة معينة أن يفرض سيطرته على سموتريتش وبن غفير. وإن لم يفعل، فيمكن للمرء أن يرى ما هي العواقب المحتملة لذلك.