حرب غزة... و"الدويلات" السورية

ما دور دمشق في التداعيات الإقليمية للحرب؟

حرب غزة... و"الدويلات" السورية

ما موقف سوريا من حرب غزة؟ ما دور دمشق في التداعيات الإقليمية؟ أين تقف في المواجهة الأميركية - الإيرانية؟

يُفترض أن تكون الأجوبة سهلة أو مباشرة- على الأقل- مثل الأسئلة. يُتوقع أن الافادة بالأجوبة من مواقف الدول أو الأطراف الأخرى في الإقليم، من حرب غزة وتداعياتها التصاعدية.

في سوريا الأمر مختلف. لسبب واحد وأساسي، هو أنه لا يمكن الحديث عن "سوريا واحدة". هناك ثلاث "دويلات" كحد أدنى، بل يمكن الحديث عن أربع أو خمس "سوريات". وكل واحدة منها لها موقف مختلف عن الأخريات، بعضها متناقض وبعضها الآخر مربك.

- إدلب الخارجة عن سيطرة دمشق، تسيطر عليها "هيئة تحرير الشام" في شمال غربي سوريا. كان موقفها داعما ومحتفلا بـ"مفاجأة أكتوبر" التي فجرتها "حماس" في غلاف غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول. لكن إدلب ذاتها، تعرضت لقصف مدفعي سوري وجولات استطلاع روسية خلال حرب المئة يوم وأكثر في غزة.

- الجيوب التي تسيطر عليها فصائل "الجيش الوطني" المعارضة شمال سوريا، لم يكن موقفها ملاصقا لجارتها في ادلب، أو موقف "حماس" العقائدي. لكن سياسيا كان أشبه بالمعارض للهجمات الإسرائيلية، أي أقرب لموقف تركيا الداعم لهذه الفصائل السورية المعارضة.

بذلك يكون موقف هذين الطرفين السوريين المعارضيين لدمشق وحلفائها، من غزة، أقرب إلى موقف طهران ووكلائها، مع انها خصم لدود لهما في ساحات المعارك السورية خلال العقد الأخير.

- مناطق شرق نهر الفرات وريف منبج غرب النهر، الخاضعة لـ"قوات سوريا الديمقراطية" المدعومة من التحالف الدولي بقيادة أميركا، كان موقفها الضمني ضد "حماس" وإيران. ويختلف موقفها عن "مغاوير الثورة" في قاعدة التنف الأميركية، التي تضم فصائل عربية.

حاولت فصائل مدعومة من إيران تهريب أسلحة وذخيرة من جنوب سوريا إلى الأردن، في تطور خطر، تجاوز تهريب المخدرات إلى الأردن والخليج

واقع الحال أن مناطق سيطرة القوات الأميركية، في الجيوب الثلاثة (شرق الفرات، منبج، التنف) تحولت إلى ساحة للمواجهة الأميركية- الإيرانية، وتعرضت قوات واشنطن لأكثر من 90 هجوما من فصائل مدعومة من طهران. الجديد هنا أن قسما كبيرا من القصف كان يأتي من فصائل عراقية مدعومة من طهران. من الساحات العراقية وليس السورية.

- مناطق الحكومة التي تشكل ثلثي مساحة سوريا والمدعومة من روسيا وإيران، كان موقفها من حرب غزة أكثر إثارة وتعقيدا.

 من جهة، تحولت هذه المناطق إلى ساحة لسلسلة من الضربات الاستباقية الإسرائيلية، خصوصا ضد مطاري دمشق وحلب، لمنع إيران من نقل أسلحة وصواريخ إلى "حزب الله". يضاف إلى ذلك، إقدام إسرائيل على اغتيال رضي موسوي، ممثل الحرس الثوري الإيراني في سوريا لعقود طويلة.كما تعرضت مراكز جوية سورية لقصف من قوات تل أبيب. غارات هجومية وضربات استباقية لردع دمشق عن الدخول الكامل على خط "حرب الساحات" في الإقليم، بقيادة رئيسة "محور الممانعة" إيران.

من جهة ثانية، حاولت فصائل مدعومة من إيران تهريب أسلحة وذخيرة من جنوب سوريا إلى الأردن، في تطور خطر، تجاوز تهريب المخدرات إلى الأردن والخليج. الجديد، أن طائرات أردنية قصفت مواقع داخل الأراضي السورية، وترددت أحاديث عن تهديد من عمان بـ"توغل" داخل أراضي سوريا، وأن دمشق وافقت ضمنا على الغارات الأردنية ضد "مهربين تابعين لايران" في ريفي السويداء ودرعا.

رهان دمشق، عاصمة البلاد المقسمة إلى "دويلات" والمنهكة اقتصاديا والمدمرة بنيويا والغائبة عن دورها الاقليمي، على مسار طويل من ترتيق الثوب السوري واستكمال مسار التطبيع العربي

واضح أنها تحاول الإفادة من حرب غزة لتمييز موقفها ضمن "محور الممانعة". لم تصدر دمشق بيانا رسميا يدعم "حماس". لم يستقبل الرئيس بشار الأسد وفدا من الحركة بشكل علني. لم تشهد العاصمة السورية ومناطق الحكومة مظاهرات واسعة داعمة لفلسطين وغزة. ولم تقم فصائل أو قوات سورية بشن هجمات ضد إسرائيل عبر الجولان. كانت هناك بعض البيانات والتصريحات التي تطالب بوقف المسار السياسي العربي مع إسرائيل وبعض الرشقات النارية، من باب "حفظ ماء الوجه".

ماذا تريد دمشق؟

أغلب الظن، أن نهج دمشق قائم على الإيحاء بالابقاء على مسافة مع طهران الحليفة دون الاندماج معها، ودعم غزة دون التماهي مع "حماس"، وتحييد مناطق الحكومة عن المواجهة الأميركية- الإيرانية وعدم تحويلها منطلقا لهجمات على إسرائيل.

رهان دمشق، عاصمة البلاد المقسمة إلى "دويلات" والمنهكة اقتصاديا والمدمرة بنيويا والغائبة عن دورها الاقليمي، على مسار طويل من ترتيق الثوب السوري واستكمال مسار التطبيع العربي بزيارة من الأسد إلى دول عربية كبيرة وزيارات من قادة عرب لدمشق ومشاريع اقتصادية وتمويل... واختراقات لعقوبات "قانون قيصر" الأميركية.

font change