الرواية الأولى لهؤلاء الكتّاب ستكون نفسها الأخيرة. ليسوا جميعهم يشتركون في طبيعة الموقف الغريب الكامن وراء قرار عدم تكرار التجربة، مرّة ثانية وثالثة، بل تختلف أسبابهم الخاصّة بين من غيّبهُ الموت بعد باكورته الروائيّة، وبين من اعتزل غواية الكتابة وجنون الأضواء واختفى الى الأبد، وبين من استوفى شروط الإبداع والتخييل، ويرى عدم الجدوى من إنجاز أخرى، إذ اكتفى بما شحذه في العمل الروائيّ الأوّل كأنّما استوعب مجمل ما أراد أن يقول، فراهن على وحدته الرمزية المقدّمة بصيغةِ جمعه.
كما لا تعدم قائمة هؤلاء نماذجَ كتّابٍ اعترتهم الخيبة وصدمهم فشلُ التجربة فانصرفوا عن ذلك بالمطلق، وثمة في المقابل طائفة روائيّين آخرين رفضوا الكتابة بعد النجاح المدوي لروايتهم الأولى، لا حفاظا على ألق صيتها الذائع، وإنّما احتجاجا وشجبا أنطولوجيّا لما تعرّضوا إليه من اعتقالٍ وتعذيبٍ ومنعٍ ونفيٍ من طرف أنظمةٍ بوليسيّة دمويّة صادرتْ حرّية تخييلهم الإبداعي، وكان امتناعهم أو صمتهم إدانة لعالمٍ تحكمه البربريّة المُجهِزة على القيم الجمالية المغايرة، فبالأحرى القيم الإنسانية التي مبتدأها الكرامة والحرية.
في طليعة من شاع أنّهم كتبوا رواية واحدة، وامتنعوا عن كتابة ثانيةٍ، متفرّغين كليّا للقصص القصيرة والشعر، سيّد الغرابة وأستاذ الرعب، إدغار آلان بو، ويتعلّق الأمر بروايته "حكاية آرثر غوردن بيم من نانتكيت" 1838، ولعلّ ما ساهم في شهرتها هو حادثة غرق سفينة "ميغنونيت" عام 1884 التي قام الأشخاص الأربعة على متنها بالاستعانة بقارب للنجاة، وفي إثر إبحارهم اضطروا لقتل أصغرهم سنّا وأكل لحمه، وهي وقائع تتطابق مع تخييل رواية إدغار آلان بو المشار إليها أعلاه كأنها قد تنبأت بحدوث ذلك.