ابتسام العصفور: رسالتي حفظ معالم تاريخية وذاكرة إنسانيةhttps://www.majalla.com/node/308236/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9/%D8%A7%D8%A8%D8%AA%D8%B3%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B5%D9%81%D9%88%D8%B1-%D8%B1%D8%B3%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%8A-%D8%AD%D9%81%D8%B8-%D9%85%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%B0%D8%A7%D9%83%D8%B1%D8%A9-%D8%A5%D9%86%D8%B3%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9
استطاعت الفنانة الكويتية ابتسام العصفور أن توثق في لوحاتها البيئة المحلية وأن تستحضر رائدات الحركة النسوية في الكويت، وأن تظهر التقدير الكبير للحرفيين من خلال أعمال جسدت فيها الكثير من المهن الشعبية، ويأتي هذا من منطلق تعريف العالم بتفاصيل بلادها.
العصفور، التي تحيي في لوحاتها مشاهد كثيرة من ذاكرة المجتمع، هي عضوة في المرسم الحر التابع للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بدولة الكويت. وقد أقامت خلال مسيرتها العديد من المعارض الشخصية، وشاركت في الكثير من المعارض الجماعية، داخل الكويت وخارجها. هنا حوار معها.
لماذا اخترتِ الأسلوب الواقعي الانطباعي؟
الأسلوب الواقعي الانطباعي الفطري له القدرة على تجسيد البيئة في أعمالي، بما فيها من مشاهد إنسانية تحمل إرث حقبة زمنية تلوّنت بطابع البحر والصحراء، وانعكست على أسلوب حياة السكان وأعطتها خصوصية ميّزتها عن أي مجتمع آخر.
المرأة بطبيعتها تميل إلى إضفاء الجمالية وتتطرّق إلى تفاصيل أدقّ وأعمق، سواء في المظهر أو الملامح وتهتم بالمشاعر الإنسانية وتجلياتها
ما التفاصيل التراثية التي تشغلكِ في هذا الإطار؟
تأسرني التفاصيل الخاصة بالمرأة، ملامحها وأزياؤها المتنوعة كالعباءة السوداء والأثواب المطرزة بالخيوط "الترتر" والخيوط الذهبية والمجوهرات المرصعة بالأحجار الكريمة التي تتزين بها، وهو ما أعتمده في لوحاتي. كما تشدّني معالم المباني التاريخية مثل المساجد والقصور وأبواب المساجد الخشبية وأسوارها المرتفعة، وطرازها المعماري الذي تأثّر بالبيئة المحلية والعادات والتقاليد. وتشدّني أيضا الأغاني وكلماتها ومعانيها فأجسّدها في لوحات تستطيع أن تستذكر الأغنية التي ارتبطت بها.
نساء رائدات
حدِّثينا عن تجربتك الفنية في معرض "مسيرة نساء رائدات" اللواتي ساهمن في العديد من المجالات في الكويت؟
لعبت المرأة الكويتية دورا مهما منذ القدم في المجتمع الكويتي، فكان الرجال يغيبون طويلا في مواسم الغوص والسفر، وتتحمل المرأة مسؤولية البيت والأطفال وتقوم بواجباتها مثل تعليم الأطفال، وخبز الخبز في التنور والطبخ بما يتوافر من مكونات بسيطة، وخياطة الملابس للأسرة وغير ذلك.
وقد وثّقت عبر لوحات هذا المعرض، عددا من النساء الكويتيات الرائدات مثل أول معلمة كويتية هي السيدة الفاضلة مريم عبد الملك الصالح، وبعض الوجوه الإعلامية مثل فاطمة حسين التي كانت من أوائل الكويتيات اللاتي ظهرن على شاشة التلفزيون، في برنامج "مع الأسرة" في فترة الستينات من القرن الماضي، والإعلامية أمينة الشراح بإطلالتها التي تتميز بالحضور والجاذبية، ومنى طالب التي تتميز بثقافتها في برامج الشعر والغناء.
ومن بينهن أيضا الشاعرة والكاتبة الدكتورة سعاد الصباح التي أصدرت عددا من الكتب الأدبية والتاريخية، كما وثقت لعدد من شهيدات الكويت مثل أسرار القبندي ووفاء العامر، الى عدد من الفنانات في مجال الفولكور الشعبي الغنائي مثل المطربة الرائدة ذات الصوت الشجي عائشة المرطة، والمطربة ليلى عبد العزيز التي اشتهرت بأغنية "الأسمراني"، والفنانة عالية حسين ذات الصوت الأوبرالي.
كيف تسعين إلى تجسيد البيئة المحلية من خلال أعمالك؟
تتميز لوحاتي باللون الأزرق، لون البحر والسماء، والسفن التي كانت تستخدم في الماضي خلال رحلات الغوص بحثا عن اللؤلؤ، والسفر الشراعي لجلب الأخشاب لاستخدامها في بناء أسقف وقواعد المباني الطينية التي تستخدم بها الصخور البحرية، إلى جانب الحرف التي ارتبطت بصيد الأسماك كصناعة الشباك والحظرة وهي وسيلة من وسائل صيد الأسماك، كما رسمت الصحراء، ومن بين الأعمال التي جسدت التفاعل مع البيئة المحلية لوحة "أمنا الطبيعة" وهي عبارة عن مشهد إنساني لأم وأطفالها مرسوم على جذع شجرة من نشارة الأخشاب.
أمام هذه الاهتمامات، هل تعتبرين أنك صاحبة رسالة فنية؟
الفن رسالة خالدة ورسالتي هي توثيق معالم تاريخية وذاكرة إنسانية وحقب زمنية لم تعد موجودة، ودمجها بحقائق تاريخية من مصادر موثقة لتعريف المتلقي من الأجيال الجديدة وغيرها بتاريخ الآباء والأجداد وأسلوب حياتهم الفطري الذي ارتبط بموارد بيئتهم المحلية والقيم السامية التي سادت آنذاك مثل الصدق والأمانة والتعاون والتكافل بين الناس.
هل تعتقدين أن المرأة أقدر على التقاط هذه التفاصيل من الرجل؟
المرأة بطبيعتها تميل إلى إضفاء الجمالية وتتطرّق إلى تفاصيل أدقّ وأعمق، سواء في المظهر أو الملامح وتهتم بالمشاعر الإنسانية وتجلياتها على وجوه الشخوص. الرجل ينظر إلى المواضيع نظرة شاملة عامة طبقا لطبيعته كرجل فلا يتطرق الى التفاصيل بدقه كالمرأة.
حظي الفنانون الرواد بمسؤولين على قدر عال من الثقافة والوعي بأهمية الفن التشكيلي
شاركتِ أخيرا بلوحة عن غزة، ماذا عنها؟
رسمت لوحة بعنوان "زهر البيلسان" للمشاركة في معرض "صمود غزة" الذي نظمه "المرسم الحر" يوم 4 ديسمبر/كانون الأول واستمر لمدة 4 أيام، وكوني عملت من قبل على المزج بين الموسيقى والتاريخ والفن التشكيلي، استوحيت فكرة اللوحة من أغنية فيروز "وحدن بيبقو متل زهر البيلسان" وهي قصيدة للشاعر طلال حيدر، ويحكي من خلالها قصة ثلاثة شباب في عمر الزهور هم أبطال "عملية الخالصة" الفدائية التي وقعت في شمال فلسطين المحتلة في الحادي عشر من شهر سبتمبر/أيلول العام 1974. وقد استحضرت في لوحتي أهمية هذه العملية التي قام بها شاب من فلسطين وثانٍ من سوريا، وثالث من العراق، الذين لم يتردّدوا في بذل أرواحهم رخيصة من أجل فلسطين.
الملكية الفكرية
متى تشعرين أن اللوحة اكتملت؟
كلما ازداد الفنان خبرة، تملي عليه عينه الناقدة الفاحصة مرحلة انتهاء اللوحة. شخصيا أقوم بالتعديل على بعض أعمالي وأضيف إليها لمسات أو عناصر جديدة.
قبل أيام كسبتِ دعوى قضائية ضدّ مخرج مسلسل تلفزيوني استخدم إحدى لوحاتك دون موافقتك، فما الذي جرى بالضبط؟
باعتبار أنني أستوحي مواضيع أعمالي من الفولكلور الشعبي الكويتي، فإن الكثير من الناس يستغلون هذه الأعمال فأراها في التلفزيون أو مطبوعة على منتجات معروضة للبيع، إلى أن اتخذت قرارا قاطعا منذ سنتين بإيقاف هذا الاستغلال من خلال شهادة الملكية الفكرية ضمن قانون حماية المؤلف، وراجعت محاميا وبدأت أرفع قضايا على من أمتلك عليهم الدلائل باستخدام أعمالي، والقصد من ذلك أن أحدّ من هذا الاستغلال لأن التمادي قد زاد، فكل من يريد، يأخذ صور هذه الأعمال كما حدث في مسلسل "حبي الباهر" وكان المطلوب على الأقل الاستئذان مني، فلي حق في هذا والفنان التشكيلي وضعه مثل المطرب أو غيره، ولكن يتم التمادي على التشكيلي أكثر لأن معظم الفنانين يتساهلون مع حقوقهم ولا يريدون الانشغال بمراجعة مكاتب المحاماة، أي أن هدفي في النهاية التوعية بحقوق المؤلف، والحد من التمادي في الانتهاكات واستخدام صور الأعمال دون وجه حق.
كيف تنظرين إلى الحركة التشكيلية في الكويت؟
الحركة التشكيلية الكويتية ثرية بفنانين مبدعين رواد ومن الأجيال الحالية، وقد حظي الفنانون الرواد بمسؤولين على قدر عال من الثقافة والوعي بأهمية الفن التشكيلي فازدهرت الحركة التشكيلية منذ ستينات القرن العشرين ونجد جهات داعمة للفنانين مثل المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، من حيث تنظيم المعارض وجائزة الدولة التقديرية والتشجيعية ونطمح إلى مزيد من الدعم من مؤسسات الدولة الأخرى للفن التشكيلي.