لن يكون من الصعب لمن يشاهد فيلم "ناقة" من الجمهور العالمي أن يتعرّف إلى المجتمع الذي ينتمي إليه هذا الفيلم، طاقما وطرحا ومسرحا للأحداث التي دارت فيه وعليه. فالمَشاهد المكتنزة برموزٍ تخص المملكة العربية السعودية، من الصحراء والناقة والقهوة العربية، التي أغنت الفيلم بقوة تعبيرية صارخة تحتاج المؤثرات الخارجية والموسيقى التصويرية تكثيفا وتعقيدا حتى تتمكن من أدائها، إذ نرى كيف مثّلت الصحراء بكثبانها الرملية المتحركة، المتاهة التي كانت تعيش في ظلها الفتاة السعودية، لتصطدم بعد ذلك بـ"الناقة" التي تُحيلنا على المجتمع أو المحيط الذي يحاصر الفتاة ليس فقط من خلال كبح تحركاتها بل ومن خلال زرع الخوف والرعب والاضطرار إلى المواجهة في سبيل النجاة.
فيلم "ناقة" المحلي الطاقم بالكامل تحت إدارة المخرج مشعل الجاسر، والمعروض على منصة "نتفليكس" بعد مشاركته في "مهرجان البحر الأحمر" في جدة، يبدأ في العام 1975، وربما في ذلك إشارة إلى بدء التشدّد الديني في المملكة، الذي كانت المرأة أولى ضحاياه، ومَن يساندها، حتى لو كان في إطار عمله، كالطبيب الذي ولَدَها، ثم تقفز الأحداث إلى الوقت الراهن دون تحديد سنة، لكننا نرى بوضوح من خلال إشاراتٍ عديدة أن قصة هذه الأعوام ما هي إلا أثرٌ لذاك العام، لا جديد فيه بقدر ما هو امتدادٌ ونتيجة.
ناقة المجتمع
لا تتوقف دفقات التعب النفسي في الفيلم، كحال صراع المرأة الذي يمكن اعتبار أنه امتد منذ منتصف السبعينات، إذ يتسرّب إلى داخلك منذ المشهد الأول حتى قبل مشهد الدماء وقتل الطبيب، من خلال حركة الكاميرا المتوترة، ثم بعد ذلك ما تبثه كثبان الرمال المتحركة والمتاهة في الصحراء، وتزامن ذلك كله مع توجسات اللاوعي التي تظهر من خلال الهلوسات، حتى اتصال المرأة بصديقتها طلبا للمساعدة، لتردّ الأخيرة أنها عاشت الموقف نفسه أكثر من مرة وتمكنت من النجاة على الرغم من الآثار الجانبية، ليخرج كل ذلك الخوف من النطاق الفردي إلى الجَمعي.