دخلت العلاقات بين الجزائر ومالي أزمة دبلوماسية غير مسبوقة، بسبب حرب التصريحات والتصريحات المضادة والاستدعاء المتبادل لسفيري البلدين، وهو ما وضع اتفاق السلم والمصالحة في مالي الموقع بين أطراف النزاع في 2015 بوساطة جزائرية ورعاية دولية على فوهة بركان.
وبشكل مباغت وغير متوقع، انزلقت العلاقات بين الجزائر ومالي نحو أتون أزمة دبلوماسية حادة صنعت الحدث في النهاية، لا سيما بعد إعلان الخارجية المالية استدعاء سفيرها لدى الجزائر للتشاور، عملا بـ"مبدأ المعاملة بالمثل"، واستبقت هذه الخطوة باستدعائها سفير الجزائر في باماكو لإبلاغه احتجاجا على "أفعال غير ودية" من طرف بلاده، وتدخلها في الشؤون الداخلية لمالي، وهو ما ردت عليه الجزائر بالمثل عبر استدعاء سفير مالي لديها، وجددت تأكيدها لرفضها التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
وقد نشبت الأزمة عقب استقبال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، الإمام المالي محمود ديكو، رجل الدين صاحب النفوذ الكبير في مالي، والذي عُرف سابقا بمواقف انتقد فيها المجلس العسكري الحاكم، وهو الأمر الذي استفز مالي واعتبرته تدخلا في شؤونها الداخلية، ووصفت استقبال الجزائر للرجل بـ"العمل غير الودي" وبأنه تدخل في شؤونها تحت غطاء عملية السلام، وحذرت من أن من شأن هذه الأفعال أن تفسد العلاقات التي تربط البلدين.
وترأس الإمام محمود ديكو سابقا المجلس الإسلامي الأعلى في مالي، خلال الفترة الممتدة بين يناير/كانون الثاني 2008 إلى غاية أبريل/نيسان2019. ويعد الإمام ديكو حسبما وصفه موقع "بي بي سي نيوز" العربي، قوة الحشد الحقيقية وراء المظاهرات التي تشهدها الدولة، إذ قاد احتجاجات جماهيرية ضخمة عام 2020 للمطالبة باستقالة إبراهيم بوبكر كايتا بسبب الفساد والمحسوبية وضعف الخدمات العامة والقيادة الوطنية، وسوء الممارسات في الانتخابات وعجز الحكومة عن وضع حد للعنف الطائفي والجهادي إلى حالة من الإحباط الشعبي.
وجددت الجزائر التأكيد على قناعتها العميقة بأن السبل السلمية دون سواها، هي وحدها الكفيلة بضمان السلم والأمن والاستقرار في مالي بشكل ثابت ودائم ومستدام، والحفاظ على الأمن القومي الجزائري، واعتبرت على لسان وزير خارجيتها أن "المصالحة الوطنية- وليس الانقسامات والشقاقات المتكررة بين الإخوة والأشقاء- هي الوسيلة المثلى التي من شأنها تمكين دولة مالي من الانخراط في مسار شامل وجامع لكافة أبنائها دون أي تمييز أو تفضيل أو إقصاء، وهو المسار الذي يضمن في نهاية المطاف ترسيخ سيادة مالي ووحدتها الوطنية وسلامة أراضيها".
واختلفت أراء الخبراء والمتابعين للمشهد الدولي حول آفاق العلاقات بين البلدين الجارين، بين من يرى أن الطريق لن يكون مفروشا بالورود، ومن يرفض أن يصف ما حدث بـ"الأزمة".
سوء تقدير
يرفض أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشؤون الأفريقية، مبروك كاهي، اعتبار ما حدث أزمة دبلوماسية بين البلدين، ويقول في حوار مع "المجلة" إن "الأمر متعلق بسوء تقدير الموقف نظرا لحساسية المرحلة التي تمر بها دولة مالي التي تربطها حدود مع الجزائر تمتد على طول 1359 كم، فسلطات باماكو تدرك جيدا أن شخصية الشيخ العالم والإمام محمود ديكو تحظى باحترام وتقدير بالغين من قبل السلطات الجزائرية، فقد استقبل مرارا وتكرارا من طرف وزراء جزائريين وكان من بين الحاضرين في احتفالية استقلال الجزائر قبل عامين من هذا التاريخ، وجلس خلف الرئيس تبون مباشرة".
ويبدو أن التصعيد الحاد في لهجة باماكو والذي جاء بعد استقبال محمود ديكو الذي يحظى بمكانة خاصة لدى الماليين، ولديه شعبية كبيرة في الشارع المالي، لم يُفاجئ الطرف الجزائري.
ويقول كاهي إنه يجب العودة إلى أصل المشكلة، وهي في رأيه تتعلق بالانقلاب العسكري الجديد في مايو/أيار 2021، عندما أطاح الجيش- بقيادة العقيد أسيمي غويتا- بالرئيس الانتقالي وعين نفسه نائبا للرئيس، واعتقل الرئيس الانتقالي ورئيس الوزراء بعد تعديل وزاري أقيل فيه اثنان من القيادات العسكرية.
اقرأ أيضا: أردوغان في الجزائر... علاقة "استراتيجية"؟
ويضيف المحلل السياسي مبروك كاهي أن العقيد غويتا وصل للسلطة بطريقة غير دستورية ولا يزال إلى اليوم لا يملك الشرعية... "الأزمة معقدة من أساسها أي داخل مركز صنع القرار قبل أن تكون مع الفرقاء في الشمال، كما أن المعارضين رفضوا طريقة تسيير المرحلة الانتقالية انطلاقا من تحديد المدة ومسودة الدستور وطريقة الاستفتاء عليه ثم كيفية تنفيذ اتفاق الجزائر للسلم والمصالحة قبل أن تتعقد أكثر بإنهاء مهام قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة".