باريس: فيما تستمر الحرب الإسرائيلية في غزة، وتخفت في العواصم العالمية الاحتجاجات المندّدة بمجازر الجيش الإسرائيلي بالفلسطينيين، يُعرض في صالة "سان ميشال" في قلب باريس الفيلم التسجيلي "يلا غزة" للسينمائي الفرنسي رولان نورمييه.
لم يُمنع عرض الفيلم، على خلاف تخوّف أوساط باريسية، في غمرة المواقف الأوروبية الرسمية المؤيدة بقوة غير مسبوقة لإسرائيل تحت عنوان "حقها في الدفاع عن نفسها" ضد منظمة "حماس" وحكومتها في غزة، والموصوفة مع عمليتها في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي بـ"الإرهابية" أوروبيا وأميركيا. وكان التخوّف من منع عرض الفيلم قد ظهر في سياق تصاعد خطر نشاطات ثقافية وفنية في أوروبا، بحجة أن مناهضتها إسرائيل وعدوانيتها وحرمانها الفلسطينيين من الحقوق الإنسانية، تنطوي على "معاداة السامية واليهود" المحرَّمة والمجرَّمة قانونيا في الدول الأوروبية.
صالة "سان ميشال" معروفة بعرضها أفلاما خاصة "يسارية" الميل والطابع والتوجه. والمخرج الفرنسي رولان نورمييه مهتم منذ أكثر من 30 سنة بالقضية الفلسطينية، ويناصر الفلسطينيين. وكان قد أخرج عن فلسطين فيلم "الدبابة وشجرة الزيتون" في العام 2019، بعد رحلته في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة بين 2014- 2017. لكنه، لإنجاز فيلمه، "يلا غزة"، لم يتمكن من دخول القطاع المحاصر، فأوكل عمليات التصوير إلى المخرج الفلسطيني أياد الأسطل. وكان الفيلم قد عُرض في مهرجانات سينمائية عدة، منها في رام الله وعمان. وفي مدينة ليون الفرنسية نظم "تجمع فلسطين 69" عرضا أوليا للفيلم بصالة الأوبرا في 4 أكتوبر/تشرين الأول، أي قبل 3 أيام من هجوم "حماس" على مستوطنات إسرائيلية حول غزة. وحضرت العرض الليوني الناشطة الفلسطينية مريم أبو دقة التي تظهر بدور في الفيلم إلى جانب حضور شبان وشابات من فرقة الرقص الفلسطينية التي أدّت في الفيلم عروضا راقصة من تدريب الفلسطيني وحيد أبو شحمة.
قد ينطوي إمعان هؤلاء المشاهدين في متابعتهم المتأنّية الدؤوبة طوال الفيلم، على أنهم من أصحاب ميول وتوجهات ثقافية وسياسية خاصة، كانت في أيام شبابهم أوسع حضورا
غزة خارج الفيلم
لدى حضورنا "يلا غزة" في صالة "سان ميشال"، لم يكن عدد الحاضرين يتجاوز الأربعين شخصا، كلهم تجاوز الخمسين من أعمارهم، وليس بينهم شاب واحد أو شابة واحدة. وقد حرص مشاهدو الفيلم، ومعظمهم فرنسيون، على المكوث في مقاعدهم بعد نهايته، فتابعوا الاستماع إلى الأغنية الفلسطينية التي يقول مطلعها: "يا طير يا طاير على فلسطين/ بالخير صبحها ومسِّيها. سلّم عليها وقلها جايين/ جايين نحرّر أراضيها". وهذا، فيما تظهر على الشاشة لائحة أسماء الفنيين الطويلة، المشاركين في صناعة الفيلم.
وقد ينطوي إمعان هؤلاء المشاهدين في متابعتهم المتأنِّية الدؤوبة طوال الفيلم، على أنهم من أصحاب ميول وتوجهات ثقافية وسياسية خاصة، كانت في أيام شبابهم أوسع حضورا وتأثيرا بكثير من اليوم في الحياة العامة الفرنسية، لكنها باتت اليوم من الماضي، ولم تعد تجذب الجيل الشاب في فرنسا وأوروبا. أما أصحاب تلك الميول والتوجهات، المهتمون بالقضايا والحوادث الساخنة في جهات العالم، والمطلعون عليها ومتابعو شؤونها وشجونها، فصاروا قلّة، حتى بين المسنين. وهذا - بحسب شهادة فرنسي ممن حضروا الفيلم - ما بيّنته التظاهرات والتجمعات الاحتجاجية المندّدة، في بعض شوارع باريس وساحاتها، بالعدوان الإسرائيلي الدموي والمدمر على غزة.
وكانت أوسع تلك الاحتجاجات المؤيدة للحق الفلسطيني ضد الاحتلال والعدوان الإسرائيليين وتحت شعار "فلسطين حرة"، قد حصلت نهارات السبت والأحد في النصف الثاني من أكتوبر/تشرين الأول وفي نوفمبر/تشرين الثاني. وهي خفتت وتضاءلت، بل توقفت، بعد ذلك. وكان معظم المشاركين الفرنسيين فيها من لفيف وأنصار حزب الزعيم والخطيب "اليساري" جان لوك ميلونشون، "فرنسا غير الخاضعة" أو "الأبيّة"، الذي لم يؤيّد ثورة الشعب السوري (2011- 2017) ضد نظام بشار الأسد الديكتاتوري والدموي، بحجة أنها كانت ثورة إسلاموية أصولية سنيّة، وهدفها تسهيل السياسات النفطية الأميركية – الخليجية.
وحسب شهادة الفرنسي الذي حادثناه بعد حضوره فيلم "يلا غزة"، أن الفرنسيين الذين احتجوا وتظاهروا ضد العدوان الإسرائيلي على غزة - من غير أبناء الجاليات العربية والمسلمة في باريس، أو ما يسمى "الإسلام الفرنسي" - صدرت مشاركتهم عن استجابتهم الدعوة التنظيمية لحزب ميلونشون، وبناء على حسابات سياسية فرنسية داخلية مناوئة لرأس السلطة والحكومة في فرنسا، الرئيس إيمانويل ماكرون وحزبه.
أما المرأة الفرنسية التي التقيناها مصادفة أمام صالة "سان ميشال" بعد حضورها الفيلم فرَوَت - بعد إعلان استيائها من موقف الحكومة الفرنسية المؤيد لإسرائيل وعدوانها على غزة - أنها فوجئت، حيث تقيم في الدائرة السابعة عشرة من مدينة باريس، بتعليق بلديتها على مبناها صورا للجنود الإسرائيليين الذين اقتادتهم "حماس" في 7 أكتوبر/تشرين الأول من المستوطنات إلى غزة. واستاءت المرأة - ليس من تعليق البلدية هذه الصور فحسب، فيما الجيش الإسرائيلي يدمر غزة ويقتل ألوفا من مدنييها وأطفالها ونسائها - بل هي استاءت أيضا من تدوين البلدية على صور الجنود الإسرائيليين عبارة تقول إنهم "رهائن إرهاب حماس"! وبحسب المرأة "ليس هؤلاء الجنود رهائن، بل هم أسرى حرب، ما داموا جنودا في الجيش الإسرائيلي الذي يدمر غزة ويرتكب مجازر بأهلها المدنيين".
وروت المرأة نفسها أنها تعمل في إحدى الإذاعات الفرنسية في باريس، وتعرضت إلى تضييق عليها في عملها. فإدارة الإذاعة - بعد إجرائها حوارات ومناقشات حول العدوان الإسرائيلي على غزة - أقدمت على عزلها عن إدارة برنامجها، وعيّنت مكانها صبية مطواعة وضعيفة الخبرة في العمل الإذاعي والشؤون السياسية. وأفاضت المرأة في حديثها عن أهمية عرض فيلم "يلا غزة" في قلب باريس. كأن عرضه – على الرغم من جذبه عددا قليلا من مشاهدين مسنين "يساريين" ومناوئين لسياسات الحكومة الفرنسية ومواقفها المؤيدة لإسرائيل - يكسر ما يتعرّض له أمثالها وسواهم من المثقفين والفنانين والصحافيين في فرنسا وأوروبا من حظر وحصار وإقصاء، بسبب آرائهم المناوئة للاحتلال الإسرائيلي والمؤيدة للحق الفلسطيني في الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية.
هذا عن مناسبة عروض "يلا غزة"، وعنه خارج صالة العرض. لكن ماذا عن الفيلم نفسه كعمل سينمائي تسجيلي ووثائقي، وعن رؤيته لغزة وأهلها ولمأساة الفلسطينيين، وكذلك عن الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي؟
صور جوّية لغزة
لا بد من الإشارة أولا إلى أن الفيلم صُوّر قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول. مخرجه الفرنسي رولان نورييه منحاز للفلسطينيين ضد الاحتلال الإسرائيلي الذي ينكّل بهم على نحو استعماري وعنصري. أما موضوع "يلا غزة" فيتناول حياة فلسطينيي غزة المحاصرين حصارا إسرائيليا عنصريا، منذ استيلاء منظمة "حماس" الإسلامية على السلطة في القطاع سنة 2007. ومن ثم شن إسرائيل حروبا تدميرية عدة عليه قبل عملية "حماس" الأخيرة، "طوفان الأقصى"، وردّ الجيش الإسرائيلي عليها بحرب شاملة لا تزال فصولها مستمرة منذ ثلاثة أشهر. وقد سارع مُعدّو الفيلم إلى عرضه في هذه المناسبة، لشرح خلفيات الصراع التاريخي الدموي على أرض فلسطين.
يفتتح الفيلم مَشاهِدَهُ بتجوال كاميرا تحملها طائرة صغيرة بلا طيار فوق الديار الغزاوية، فتصوّر تصويرا بانوراميا صامتا العمران والبشر وحياتهم اليومية في المدن والتجمعات السكنية والمخيمات وورش العمل وعلى الشواطئ الرملية... المشاهد هذه، المصورة بحساسية احتفالية غنائية، يرافقها صوت صبية تنشد بلهجتها الفلسطينية الغزاوية أغنية "يا طير يا طاير على فلسطين". وحسبما يظهر على موقع "يوتيوب"، الأرجح أن هذه الأغنية تعود بداياتها إلى خمسينات القرن العشرين بصوت المغني اللبناني نصري شمس الدين، ومن كلمات يوسف الحسون وألحانه. جُملها اللحنية تشبه لحنا وضعه فيلمون وهبة لأغنية صباح "دخل عيونك حاكينا/ لولا عيونك ما جينا".
الغناء بالصور
تجوال الكاميرا البانورامي لالتقاط مشاهد الفيلم، وكذلك اسمه "يلا غزة"، بهما أصداء من صور فيديو كليب ترافقه أغنية "يلا على غزة" للشابين قاسم النجار وشادي البوريني، ومن إنتاج "تلفزيون فلسطين" الذي تجول كاميرته، على إيقاع كلمات الأغنية، في جهات غزة وأنحائها كافة، مصورة ببهاءٍ وابتهاج حياة الغزاويين اليومية. وهذا على نحو ما جالت كلمات أغنية وديع الصافي "جايين يا أرز الجبل جايين" مردّدةً أسماء المناطق والبلدات والقرى والمدن اللبنانية، بلا صور وقبل ظهور فن الفيديو كليب أو الأغاني المصورة والغناء بالصور.
مشاهد الدمار والأنقاض المهولة التي تخلفت عن حروب إسرائيل على غزة و"حماس" بعد العام 2007، يصورها فيلم نورييه تصويرا بانوراميا ملحميا باهرا يلامس أساليب فن الفيديو كليب والصور التي توضع على البطاقات البريدية (الكارت بوستال). وهذا فيما شبان وشابات من غزة يؤدون بين تلك الأنقاض رقصات مطوّرة من الدبكة البلدية التقليدية. وذلك كله هدفه الكناية بهذه الصور عن إرادة الغزيين في الصمود ومقاومة الحصار الإسرائيلي الخانق المضروب عليهم طوال سنوات كثيرة، مقاومة مدنية. والمقاومة هذه تجعل من الإطناب الغنائي المبتهج بالصور البانورامية الملحمية للرقص بين الأنقاض، مدارا أو فضاء وحيدا للتعبير السينمائي عن مأساة غزة وأهلها المختنقين بالحصار الإسرائيلي، والذين يتعرض عمرانهم وتتعرض حياتهم للدمار، كلما شاءت إسرائيل الرد على الصواريخ التي تطلقها عليها "حماس".
لكن اللافت والغريب أن اللازمة الأخيرة التي يرددها الشهود جميعا في الفيلم، تنسج على منوال الخطابة الناصرية في جملتها الشهيرة بعد هزيمة 1967: "ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة"
لا شيء في فيلم نورييه عن حياة الغزيين الفعلية أو الحقيقية. فهو يظن أن مثل هذه المشاهد والصور المتكررة كلازمة دائمة في فيلمه، كافية وحدها لتصوير حياتهم بصفتها ملحمة بطولية مثيرة لتعاطف مشاهدي شريطه السينمائي وإعجابهم. أما كيف يعيشون حياتهم اليومية، وكيف يُنشئون علاقاتهم ويعملون ويتدبرون حاجاتهم ويصرّفون شؤونهم، وما هي طبيعة مجتمعهم وعلاقتهم بمنظمة "حماس" التي تحكمهم منذ العام 2007، فهي مسائل وأمور تغيب غيابا تاما عن فيلمه، لتحضر فيه فقط مشاهد من حياة صورية لبشرٍ مشغوفين ببطولة صمودهم في ديارهم بين الركام الذي يزيدهم تعلقا بالحياة.
والحق أن تصوير أهل غزة على هذا النحو - أي بشرا صوريين، بلا مجتمع ولا علاقات اجتماعية، وبلا تاريخ ولا مآسي حياة يومية مضطربة متدافعة، وبلا روابط بينهم سوى أنهم منذورون للصمود والبطولة - يشبه في وجه من وجوهه تصوير "حزب الله" الشيعةَ اللبنانيين في حالٍ من الشغف ببطولات حزبهم و"مقاومته" في صور الفيديو كليب التي تبثها يوميا محطته التلفزيونية "المنار".
الحبور الجمالي الفيروزي
يبدو هذا الحبور الجمالي في تصوير الركام والرقص على الركام، باعتباره تجسيدا مشهديا أيقونيا لتعايش أهالي غزة ومصالحتهم مع حياتهم المعرّضة للتدمير اليومي، وفيما هم يقاومون حصار إسرائيل وحروبها مقاومة "مدنية" خالصة، على شبهٍ ما برؤية الأخوين رحباني لمجتمع القرية اللبنانية السعيد سعادة حزينة وبريئة. وهو المجتمع الذي رسم الأخوان مشاهده ولوحاته الأيقونية في أعمالهما المسرحية الغنائية والسينمائية التي استلهمت من صوت فيروز "الملائكي" صفاءه الرومنطيقي الحزين، الآسر والمواسي.
المخرج الفرنسي رولان نورييه صوّر غزة وأهلها وآلامهم على هذا النحو الأيقوني والجمالي، البريء والمسالم، والخالي من تمزّقات عيشهم الفعلي وعنفه وقسوته الداخلية، كي يقول للعالم الأوروبي والغربي: انظر ماذا تفعل بأهالي غزة الفلسطينيين البريئين تلك الدولة الغاشمة (إسرائيل) التي تدعمها وتزودها أسباب القوة والجبروت، وتعتبر أن وجودها ضرورة إنسانية مقدّسة، للتكفير عن العداء الأوروبي للسامية وعن المحرقة التي ارتكبتها النازية باليهود.
وعلى المنوال الرحباني - الفيروزي الفولكلوري، ينسج نورييه بعض مشاهد فيلمه عن الفلسطينيين: تعايشهم الرضي بمحبة وسلام ووئام، مسيحيين ومسلمين. ولإبراز هذا التعايش نشاهد في الفيلم شيخا مسلما وقسّا مسيحيا يتحادثان عن الأخوة التي تجمع أهل الديانتين، ويتزاوران في المسجد والكنيسة. وهذا على نحو ما غنى مرة فريد الأطرش "تآخينا هلالا وصليبا".
ولتصوير تشبث الفلسطيني بأرضه ودياره السليبة وبتراثه الذي دمره الاحتلال الإسرائيلي، تحضر في الفيلم تلك الأيقونة الفولكلورية عن احتفاظ الأجداد الفلسطينيين بمفاتيح بيوتهم القديمة. فها جدٌّ بثيابه التراثية يجمع أحفاده الكثيرين ويحدثهم عن منزل أهله شاهرا مفتاحه القديم كدليل رمزي على التشبث بالإرث والحق السليب. وهذه التمثيلات كان الفنان التشكيلي الفلسطيني الراحل إسماعيل شموط، رائد تجسيدها في لوحاته. لكنه تجاوزها في أعماله التشكيلية اللاحقة.
الحق يُنتزع بالقوة
هذه الرتابة الجمالية الأيقونية في تصوير مأساة غزة وأهلها، لا يكسرها في فيلم نورييه سوى المطالعات الغنية التي يتضمنها الفيلم، والصادرة عن مثقفين وكتّاب وأكاديميين وصحافيين وحقوقيين أوروبيين في شهاداتهم عن غزة وحصارها، وعن الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي وتاريخه وملابساته. هذا على الرغم من أن أصحاب هذه الشهادات من لون وتوجهات فكرية واحدة ومتجانسة. فهم من مناصري الفلسطينيين في حقهم في الحرية والعدالة والسلام، ومن نقاد إسرائيل واحتلالها.
ومن هؤلاء: جان بيار فيليو، الأكاديمي في معهد الدراسات السياسية بباريس، ومؤلف كتاب "تاريخ غزة". الباحث الإسرائيلي المناهض للصهيونية، روني بركان. سيلفان سيبل، الصحافي في "لوموند" الباريسية. ماتياس شمالي، رئيس منظمة "الأونروا". كين لوتس، المخرج السينمائي. كريستوف أوبرلين، الجراح الفرنسي الذي يدرّب الأطباء في غزة منذ 20 سنة.
وهذا إضافة إلى شهادات من فلسطينيي غزة، ومنهم أحد قادة "حماس"، وزير الصحة السابق في إحدى حكوماتها، باسم نعيم، الذي يجلس، فيما هو يدلي بشهادته، تلك الجلسة "الإخوانية" الوقورة، بصفته من الموظفين الحكوميين أصحاب المناصب في غزة. ومثل الشخصيات "الإخوانية" المرموقة، يجلّل اللون الرمادي فضاء المشهد المحيط بنعيم وبحضوره، فيما هو يتكلم ذاك الكلام الوقور.
لكن اللافت والغريب أن اللازمة الأخيرة التي يرددها الشهود جميعا في الفيلم، تنسج على منوال الخطابة الناصرية في جملتها الشهيرة بعد هزيمة يونيو/حزيران 1967: "ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة". فأصحاب الشهادات كلهم يكررون في ختام الفيلم الجملة التالية: "الحق يُنتزع بالقوة".