اشتد القلق من اندلاع صراع إقليمي، ولا سيما مخاوف نشوب حرب شاملة بين إسرائيل و"حزب الله"، عقب اغتيال نائب رئيس حركة "حماس" صالح العاروري مؤخرا. ومع أن المكانة الكبيرة لهذه الشخصية الفلسطينية المستهدفة تشكل بحد ذاتها مصدرا كبيرا للترقب، فإن موقع الاغتيال هو ما يثير القلق أكثر؛ فوجود العاروري في الضاحية الجنوبية، المعترف بها كمعقل لـ"حزب الله" في بيروت، قد يجبر الحزب على الرد بقوة لردع هجمات مستقبلية وعلى هذه المنطقة بالتحديد.
معظم التكهنات توقعت أن يأتي رد "حزب الله" من لبنان، ولكن من الحكمة أن ندرك أن لبنان قد لا يكون الساحة الوحيدة للانتقام المحتمل. فسوريا التي يحتفظ فيها "حزب الله" بحضور قوي وتحالفات كبيرة يمكن أن تكون ساحة بديلة عمليا لا ينبغي تجاهلها.
وما يزيد من ثقل الغارة التي نفذتها طائرة مسيرة يوم 3 يناير/كانون الثاني، وتسببت في مقتل العاروري وستة أعضاء آخرين من "حماس"، أنها أول هجوم على الضاحية منذ حرب 2006 بين إسرائيل و"حزب الله". وتعهد أمين عام "الحزب" حسن نصرالله بحزم في خطاب متلفز في اليوم التالي للغارة، بأن مقتل العاروري لن يمر دون رد، مرددا بذلك صدى تهديدات أطلقتها جماعته من قبل، وإن أحجم عن تحديد الزمان والطريقة.
وبينما أوضح نصرالله أنهم لا يخشون الحرب إذا أرادتها إسرائيل، فقد أكد على استراتيجية محسوبة، حين قال: "في الوقت الحالي، نحن نقاتل على خط المواجهة وفق حسابات دقيقة". والجماعة في الأساس تتبع سياسة الرد بالمثل وهي تسعى جاهدة لتجنب إثارة صراع واسع النطاق مع إسرائيل.
التطور الملحوظ في هذا المشهد المعقد أن "المقاومة الإسلامية" في العراق، قد اتخذت القرار أخيرا بشن هجمات على إسرائيل انطلاقا من الأراضي السورية
وفي هذا السياق قد يرى التنظيم في سوريا خيارا استراتيجيا يوفر له الانتقام دون توريط نفسه بالضرورة في صراع أكبر؛ فسوريا البلد المجاور للبنان يعيش بالفعل حالة حرب منذ ما يقرب من 13 عاما. ولطالما كانت أيضا هدفا متكررا للهجمات الإسرائيلية على مر تلك السنوات، مع ارتفاع وتيرتها كثيرا في الأشهر الأخيرة، مما يقلل المخاوف من مزيد من الهجمات الإسرائيلية على سوريا إذا اختار "حزب الله" الانتقام انطلاقا من تلك الجبهة.
إن وجود الكثير من القوات المحلية منها والأجنبية المدعومة من إيران داخل سوريا يكفل لـ"حزب الله" شكلا من أشكال الإنكار المعقول. وحتى الآن اقتصر الرد الرسمي للحكومة السورية حيال الصراع الإسرائيلي مع غزة أساسا على إصدار بيانات الإدانة والتعاون مع الكيانات الإقليمية والدولية لتخفيف التوترات. ويعزى هذا الموقف المنضبط إلى افتقار الأسد للموارد، ولعل السبب الأهم هو عزوفه عن التورط في مواجهة مباشرة مع إسرائيل.
مع ذلك شهدت خطوط الجبهة السورية الإسرائيلية نشاطا متزايدا، علما أن طهران، لا دمشق، هي التي تحدد سير العمل في هذا المجال؛ فالهجمات المتكررة التي تشنها جماعات ناشطة في سوريا ومدعومة من إيران، على الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل، والتي تحدث على الرغم من تردد الأسد الواضح، تكشف عن الهيمنة الإيرانية الواضحة.
أما التطور الملحوظ في هذا المشهد المعقد فهو أن "المقاومة الإسلامية" في العراق، وهي مجموعة تضم تحت مظلتها الميليشيات الموالية لإيران النشطة في كل من العراق وسوريا، قد اتخذت القرار أخيرا بشن هجمات على إسرائيل انطلاقا من الأراضي السورية. وتسمح هذه الخطوة الاستراتيجية لـ"حزب الله" بإخفاء تورطه. ومنذ بداية الصراع بين إسرائيل وغزة ركزت هذه المقاومة الإسلامية في المقام الأول على استهداف القواعد الأميركية في العراق وسوريا. وبخلاف ذلك، ظلت معظم الهجمات على إسرائيل من سوريا دون إعلان مسؤولية، ما عزز الشكوك بتورط "حزب الله".
غير أن الوضع بات أكثر تعقيدا في الآونة الأخيرة؛ ففي 27 ديسمبر/كانون الأول أعلنت "المقاومة الإسلامية" في العراق مسؤوليتها عن هجوم بطائرة مسيرة على مستوطنة إسرائيلية في مرتفعات الجولان المحتلة. وأشارت مصادر إسرائيلية إلى أن هذا الهجوم انطلق من سوريا، وهو ما يمثل أول ضربة "ملموسة" (حقيقية) بعد عدة ادعاءات سابقة للجماعة باستهداف المصالح الإسرائيلية.
وعقب هذه الحادثة، أعلنت الميليشيات العراقية مسؤوليتها عن هجمات إضافية على إسرائيل. ومن المحتمل أن يتيح هذا التطور لـ"حزب الله" إسناد مسؤولية شن ضربة انتقامية من سوريا إلى "المقاومة الإسلامية" في العراق أو المتعاونين معها بغية التخفيف من أي تداعيات.
انخراط إسرائيل على جبهات متعددة وقدرة الجماعات المدعومة من إيران على نشر الكثير من الطائرات المسيرة الأكثر تطورا يقلل من مقدرة إسرائيل على تحييد هذا التهديد بالكامل
والجدير ذكره بالمثل هو مقدرة "حزب الله" والجماعات المتحالفة معه على شن هجمات من سوريا لها تأثير كبير على إسرائيل؛ فالهجمات الأولى انطلاقا من سوريا كانت متواضعة، وشملت قصفا بقذائف الهاون عبر الحدود على مناطق غير مأهولة. أما في 9 نوفمبر/تشرين الثاني، فقد انطلقت طائرة مسيرة من سوريا وحلقت فوق الأردن ثم أصابت مدرسة في إيلات على بعد أكثر من 400 كيلومتر من أقرب نقطة من الأراضي السورية.
وبالإضافة إلى مداها البعيد، فإن مقدرة هذه الطائرة المسيرة على العمل دون أن تُكتشف وتحقيقها ضربة دقيقة تشير إلى تورط مشغل مدرب جيدا. كما أن الرسالة التي يحملها هذا الهجوم لها القدر نفسه من الأهمية، فهي تؤكد القدرة المحتملة على استهداف أي موقع في إسرائيل انطلاقا من سوريا. وبينما قد تخفف التدابير الأمنية المعززة التي تتخذها إسرائيل من المخاطر التي تشكلها مثل هذه الهجمات بطائرات مسيرة، فإن انخراط إسرائيل على جبهات متعددة وقدرة الجماعات المدعومة من إيران على نشر الكثير من الطائرات المسيرة الأكثر تطورا يقلل من مقدرة إسرائيل على تحييد هذا التهديد بالكامل.
ومع أن سوريا قد تقدم مزايا استراتيجية فليس من المرجح أن تحمي "حزب الله" أو لبنان من الانتقام الإسرائيلي. زد على ذلك أن خطوة كهذه قد تكون لها تداعيات خطيرة على سوريا، مما قد يضعها على شفا صراع إقليمي يحرض عليه حلفاء إيران. ومع أن الشعب السوري ثابت في دعمه فلسطين، فإن استخدامه كبيادق في صراعات الآخرين لا يتوافق مع الطريقة التي يود اختيارها للتعبير عن تضامنه.