مرض
صباح يوم الأحد، 28 ديسمبر/كانون الأول، 1941، أول أيام عيد الأضحى، بعدما دعته للإقامة في فندق إيدن، هاتفته مرة أخرى ليتوجه إلى فندق الملك داود، وكانت مصابة بالبرد الخفيف جراء سهرة طويلة، وأخبرته أن زوجها الأمير حسن فتح درج مكتبها عنوة واستحوذ على برقياتها إليه، وحذرته من زيارة لبنان وسوريا كي لا يقتله.
في حلول مساء الأربعاء 31 ديسمبر/كانون الأول، أوشكت على التعافي، لكنها أصرّت على الاحتفال برأس السنة، بتناول كأس، وفشلت محاولات التابعي في ثنيها، فارتفعت حرارتها وعاودتها الحمى، صباح أول يناير/كانون الثاني 1942، ومساء وصلت أمينة البارودي، وأمضت السهرة مع التابعي بجانب أسمهان.
فوجئ التابعي بعامل الفندق يحمل صندوقا كبيرا من الورق المقوى مملوءا بالزهور، ومعه خطاب من أحد الضابطين، يشكرها فيه على عشائها معه ليلة السبت، وهي الليلة التي أصيبت فيها بالبرد.
حضر الطبيب الألماني اليهودي الشهير آنذاك، زونديك، وأبلغهم أنها مصابة بنزلة برد، ويشك في شيء ما بالرئة اليمنى، لكنه يفضل الانتظار يومين قبل اصطحابها لإجراء الأشعة، خاصة أنها في حالة عصبية شديدة. بعد أيام علموا أن حالتها ليست خطيرة لكن الرئة اليمنى ضعيفة وهو ما لم تجهله أسمهان، حيث أشارت إلى صدرها "استحملني سنة أو سنتين، لأني عارفه إني هموت بعدها".
لم يجد التابعي أي صديقة لها تعتني بها بعد مغادرته إلى مصر، إذ كانت الشائعات قد انتشرت عن مرضها، لذا كن يغادرن بعد دقائق من زيارتها، فقضى يومين آخرين يناولها الدواء في موعده، ويعدّ لها بخار الماء الممزوج بالدواء لتستنشق منه رئتاها، ويحول بينها وبين الشراب والتدخين، وبعدها عاد إلى مصر وأرسل إليها ماري قلادة، وهي السيدة التي حضرت معه حفل أسمهان الأخير قبل مغادرتها مصر، وماتا معا جراء الحادث الأخير وهما في الطريق إلى رأس البر.
محاولة انتحار
في 16 يناير/كانون الثاني 1942، كتبت أسمهان إلى التابعي تخبره بوصول زوجها حسن الأطرش ليسافرا معا، لكنه فوجئ بها تهاتفه من طريق القيادة العسكرية البريطانية، وطلبت منه أن يتحدث بالإنكليزية، ففهم أن المكالمة خاضعة لأحكام الرقابة العسكرية، وكان صوتها متعبا، صوت امرأة بائسة تدعوه إلى السفر الى القدس، على حد وصفه.
ركب القطار إلى اللد ومنها إلى القدس، دون أن يسأل نفسه، هل لا يزال زوجها هناك أم لا؟ خشي أن يثنيه التفكير عن السفر، وفي منتصف العاشرة صباحا كانت أسمهان رفقة ماري قلادة في حجرة الجلوس، لتخبره أنها حاولت الانتحار.
حكت له أسمهان أن زوجها حسن الأطرش طلب منها الاستعداد للسفر إلى بيروت، إذ نفد صبره، خاصة أنه اطلع على قائمة نزلاء الفندق خلال الشهر، وعلم بوجود التابعي، قالت وفقا لكتاب "أسمهان تروي سيرتها": "بدأ حديثه، أنه لا يستطيع الصبر أكثر من ذلك، وإنني قد نسيت في ما يبدو أنني زوجته، وإلا فما معنى هربي الدائم منه، إذا أقاما في السويد هربت إلى دمشق، وإذا جاء دمشق ذهبت إلى بيروت، وإذا سافر إليها تركته وسافرت القدس، وأن أهلنا في السويداء يتندرون بهذا".
بعد إصراره على استعمال العنف في إخراجها من القدس من طريق السلطات الإنكليزية، في ظلّ تدهور علاقتها بالانكليز، استخدمت علاجا وصفه لها الدكتور زونديك، وفهمت منه أن يحتوي على مادة الاستركنين السامة، فأفرغت الزجاجة كاملة في فمها، وتمدّدت على فراشها تنتظر الموت، لكن ماري أنقذتها، وما أن أفاقت حتى وجدت زوجها إلى جانبها، يقول: إلى هذا الحدّ تكرهينني، الى درجة أنك تفضلين الموت على الحياة معي. وغادر باكيا إلى بيروت.
نصحها التابعي بالعودة إلى زوجها الذي يحبها وسيصفح عنها، وستعيش معه زوجة عزيزة وأميرة مكرمة، وشتان الفارق بين ذلك وبين حالها إذا عادت إلى مصر. غادر وتركها باكية على باب الحجرة، استقل السيارة إلى اللد ومنها إلى مصر، ولم يكن يدري أنها المرة الأخيرة التي يراها فيها وجها لوجه، في يناير/كانون الثاني 1942.
لم يرها بعدها إلا على شاشة السينما عام 1944 في فيلمها الثاني والأخير، "غرام وانتقام"، قبل أن تلقى حتفها في حادث سيارة على طريق رأس البر.