وضعت طريق التجارة الدولية جنوب المحيط الأطلسي، بديلا (ولو موقتا) عن باب المندب في خليج عدن، المُهدد باعتداءات المتمردين الحوثيين ومن يقف وراءهم في الهجوم على سفن الشحن البحري، وصارت مئات البواخر تعبر رأس الرجاء الصالح في أقصى جنوب القارة السمراء قادمة من المحيط الهندي، في طريق جديد قديم يمر أمام سواحل إفريقيا الأطلسية، وصولا إلى البحر الأبيض المتوسط، عبر مضيق جبل طارق، أو مواصلة الإبحار إلى شمال الأطلسي، في رحلة قد تمتد أسبوعا إضافيا عن رحلاتها السابقة.
ربما مجرد صدفة أن يتزامن تغيير طريق التجارة من البحر الأحمر إلى بحر الظلمات (المحيط الأطلسي) مع إعلان المغرب عن ميلاد "إفريقيا الأطلسية" قبل أسابيع، وهي تجمع جغرافي واقتصادي، وفضاء للأمن والتعاون التنموي، يضم 23 دولة تطل على البحر غربا، ولها سواحل بعضها تمتد لآلاف الكيلومترات، أي ربع المسافة من رأس الرجاء الصالح، مما يساعد في تأمين طرق الملاحة البحرية التي لم تعد تهم منطقة جغرافية محددة، بل تشمل كل الدول المطلة على البحار والمحيطات.
لا شك في أن المحيطات ومعابر التجارة العالمية حاسمة في رسم خريطة النظام العالمي الجديد المتشكل من البحر أولا، لأنه المساحة الكبرى على اليابسة. ولا يخفي تنافس الكبار هذه الحقيقة التي تتزايد مرة باسم "حرية التجارة والمبادلات"، ومرة أخرى باسم "مبادرة الحزام والطريق". وكل الصراعات مرشحة أن تدور حول الماء في العقود المقبلة، يفرضها التغير المناخي والتزايد السكاني والحاجة إلى هواء البحر ونسيمه وآفاقه.
مبادرة ملكية لـ"أفريقيا الأطلسية"
يدرك المغرب الذي يطل على البحر الأبيض المتوسط شمالا والمحيط الأطلسي غربا على امتداد سواحل تصل إلى 3500 كيلومتر، أن مطله البحري يعزز موقعه لاحقا في خريطة النظام العالمي الجديد بين الشمال والجنوب. وهو الدور التاريخي الذي ظل المغرب يلعبه بين أوروبا وأفريقيا منذ قرون وحتى بعد سقوط الأندلس، نهاية القرن الخامس عشر. من هنا، فإن تنمية الواجهة الأطلسية للقارة مصلحة مغربية لتسريع التنمية في دول الساحل التي لها روابط تاريخية وثقافية مع فاس ومراكش والصحراء، وهي تحتاج إلى استثمارات يبدو العالم مشغولا عنها في مناطق أخرى حاليا.
اختار الملك محمد السادس خطاب الذكرى 48 للمسيرة الخضراء في 6 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، للإفصاح عن تفاصيل خطة أفريقيا الأطلسية، قائلا: "إذا كانت الواجهة المتوسطية تعدّ صلة وصل بين المغرب وأوروبا، فإن الواجهة الأطلسية هي بوابة المغرب نحو أفريقيا، ونافذة انفتاحه على الفضاء الأميركي". تشمل مبادرة الملك وضع البنى التحتية في جنوب البلاد تحت تصرف دول الساحل غير البحرية وفك العزلة عنها وربطها بالمحيط الأطلسي، حيث يتم بناء مركب مينائي ضخم في سواحل مدينة الداخلة بتكلفة تناهز 1,5 مليار دولار، يتكوّن من أربعة موانئ للتجارة الدولية والطاقة والصيد البحري والتخزين وإعادة التوزيع.