في مطلع العام الجديد الذي وافق الذكرى الثامنة والستين لاستقلال السودان، عقد التحالف المدني (تقدم) برئاسة عبدالله حمدوك، رئيس الوزراء السابق، اجتماعه المعلن الأول مع قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي). وقد أتى هذا الاجتماع عقب أكثر من ثمانية أشهر من الحرب التي بدأتها الميليشيا ضد قوات الجيش السوداني في أبريل/نيسان 2023 في إطار الصراع بين الاثنين على الانفراد بالسلطة بعد أن تحالفا معا في انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021 للاستيلاء عليها.
تواصل الاجتماع في اليوم الثاني وتمخض عن توقيع على اتفاق بين حمدوك ممثلا لقوى "تقدم"، وحميدتي ممثلا لميليشياته في 2 يناير/كانون الثاني 2024.
في مطلع اليوم الأول من الاجتماع اصطف أكثر من عشرين ممن يصفون أنفسهم بالقيادات المدنية في انتظار حميدتي، الذي حضر بمعية اثنين من مستشاريه، وتوجه للجلوس في رأس الاجتماع. تسابق حينها أعضاء وفد "تقدم" لمصافحة قائد الميليشيا والسلام عليه وتقديم التهاني له بالسلامة. كان المشهد المأساوي لقيادات "تقدم" وهي تتسابق لتحية حميدتي بالابتسامات الحميمة أشبه بتقديم مراسم البيعة وفروض الولاء والطاعة لحميدتي أكثر منه بأي شيء آخر.
الحكم لمن غلب. كان هذا هو الشعار الذي مضى وفد "تقدم" بقيادة حمدوك في ركابه للقاء حميدتي. لم يكن مستغربا في هذا السياق أن يضم وفد حمدوك مؤيدين صريحين للميليشيا. قامت إحدى عضوات الوفد بالوقوف والتقاط صورة لحميدتي ومستشاري الميليشيا من داخل الاجتماع لتبثها بشكل فوري في وسائل التواصل الاجتماعي، بتعليق "الأمير شخصيا، حفظه الله وقدس سره".
كما ضم الوفد محمد حسن التعايشي، عضو مجلس السيادة السابق، وهو المنظر الأساسي لسردية محاربة دولة 1956، والتي يتم استخدامها في تبرير انتهاكات وجرائم الميليشيا، وذلك بحسب الورقة التي قدمها للميليشيا في المؤتمر الذي عقدته الميليشيا لحشد الدعم السياسي في دولة توغو شهر يوليو/تموز 2023 بعد اندلاع الحرب. كما ضم الوفد أيضا طه عثمان إسحق، وهو صلة القوى المدنية لفترة طويلة مع الميليشيا والذي أضحى وبوضوح بمثابة ممثل الميليشيا في أروقة تحالف الحرية والتغيير وبعده "تقدم"، دون شرعية تمثيل حقيقية.
مشاركة طه تثير أيضا نقطة التمثيل السياسي في إطار تحالف "تقدم" الذي يدعي تمثيل جبهة واسعة من المدنيين؛ فهو موجود في موقعه هذا بصفته ممثلا لتجمع المهنيين السودانيين. وطه كان بالفعل جزءا من تكوين تجمع المهنيين الأصلي إبان الثورة. لاحقا وبعد انتصار الثورة، أقام التجمع انتخابات داخلية لتجديد مقاعد قيادة التجمع في مايو/أيار 2020. وهو التصويت الذي خسره طه والفصيل الذي يمثله، فما كان منهم إلا إعلان انقسام تجمع المهنيين وتكوين تجمع مواز.