الرياض- يمثل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 نقطة تحول في تاريخ الصراع العربي- الإسرائيلي، حين شنت "حماس" هجمات على الحدود الشرقية لقطاع غزة، بدت في صالحها، قبل أن يرد الإسرائيليون بقصف تدميري للقطاع. وعلى الرغم من الموقف غير المتعاطف الذي يتبناه كثير من الحكومات العربية تجاه "حماس"، فإن العدد الكبير من الضحايا الفلسطينيين والذي يعكس الاستراتيجية الانتقامية الشرسة التي تنتهجها إسرائيل، يجعل من الصعب على الحكومات العربية مواصلة العمل على أي اتفاق محتمل عاجل مع الدولة العبرية.
منذ بدء الحرب في غزة، خلصت معظم وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث الغربية إلى استنتاج مفاده أن توقيت "حماس" لعمليتها يهدف إلى تعقيد أو إجهاض أي اتفاق بين السعودية وأميركا يتضمن جوانب استراتيجية للرياض وإنجازا في القضية الفلسطينية و"تطبيعا" محتملا مع إسرائيل. وقد كان الإسرائيليون متحمسين لعقد اتفاق تطبيع.
تاريخ تطبيع المسلمين مع إسرائيل
في حال حدوثه، فإن التطبيع مع المملكة العربية السعودية سيكون نقطة تحولٍ رئيسة في تاريخ إسرائيل منذ توقيع اتفاق كامب ديفيد عام 1979. حيث إن الاعتراف بإسرائيل كدولة ذات سيادة يُعد من المحرمات عند معظم الدول العربية والإسلامية. لكن هذا لا يعني أن الدول الإسلامية جميعها تتبنى هذا الموقف؛ فعلى سبيل المثال، اعترفت تركيا بدولة إسرائيل في 28 مارس/آذار 1949، وأرسلت بعثتها الدبلوماسية إلى تل أبيب في يناير/كانون الثاني 1950. كما اعترفت إيران بدولة إسرائيل في 14 مارس/آذار 1950. وقتها، كانت تركيا وإيران أقوى الدول ذات الغالبية المسلمة. غير أن إسرائيل كانت تتطلع لاعتراف سياسي من دولة عربية كبرى، وذلك ما حدث في 26 مارس/آذار 1979، عندما وقّع كل من الرئيس المصري أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن على كامب ديفيد التي رعاها الرئيس جيمي كارتر.
وكما هو الحال عند اليهود والمسيحيين، فإن القدس المحتلة مدينة مقدسة عند المسلمين. بالرغم من ذلك، فإن قضية فلسطين يتم تداولها بوصفها قضية عربية أكثر من كونها قضية إسلامية. وثمة عدة حقائق تكمن خلف وضع الهوية الإثنية كأولوية تسبق الهوية الدينية للقضية. لقد أطلق العرب مصطلح "النكبة" لوصف قيام دولة إسرائيل عام 1948، الذي يعتبرونه كارثة حقيقية؛ إذ شردت الميليشيات الصهيونية والجيش الإسرائيلي حديث النشأة آنذاك العرب (الفلسطينيين، المسلمين والمسيحيين) من ديارهم بشكل لا يمكن محوه من الذاكرة العربية. وعلى أثر عمليات التهجير الوحشية، اندلعت الحرب في محاولة من الدول العربية المجاورة مساعدة الفلسطينيين في استعادة أراضيهم؛ لكن الحرب انتهت بتمكن إسرائيل من التصدي للدول العربية وفرض الأمر الواقع بوجود الدولة العبرية بين الدول العربية.