يطلق الصينيون على عام 2023 اسم "العام صفر" في سياق الصين ما بعد فيروس كورونا، وفيه واجهت البلاد مشهدا اقتصاديا وأمنيا متغيرا جذريا؛ فبعد أن أنهت الصين بشكل حاد السياسة الصارمة التي اتبعتها للقضاء على فيروس كورونا في ديسمبر/كانون الأول 2022، لم يتحقق الانتعاش الاقتصادي الصيني الموعود، ولم يُستأنف "المصنع العالمي" الذي كان مأمولا أن يقمع التضخم العالمي المستعر.
وبعد فترة راحة قصيرة، انخفضت الصادرات الصينية بشكل مستمر على مدار أشهر؛ وتوسع صافي تدفقات رأس المال الأجنبي إلى عشرات المليارات من الدولارات شهريا، وهو رقم قياسي لسنوات عدة. وبدلا من جنون الاستهلاك، الذي كان سيجعل الصين أكبر مستورد في العالم بحلول عام 2025، بحسب الخط البياني الذي كانت مجموعة بوسطن الاستشارية قد رسمته قبل فيروس كورونا، فإن الاستهلاك الصيني بدأ يتحول الآن نحو الانكماش.
لقد غرقت الأسهم والأصول المالية في دوامة انخفاض قيمة العملة عام 2023، وهبطت بورصة شنغهاي الرئيسة بنسبة 20 في المئة تقريبا منذ بداية العام، فيما خسر مؤشر هونغ كونغ القياسي، وهو مقياس القوة المالية العالمية للصين، ما يقرب من 40 في المئة من قيمته منذ ذروته خلال "كوفيد-19". وأزمة العقارات في الصين على أشدها في المدن الأفقر، وهي ليست مثالية أيضا في المدن الأكثر حيوية التي تعاني بدورها من تباطؤ الطلب. وتتوقع مدينة شينزين أن تكون المعاملات العقارية أقل بنسبة 30 في المئة مقارنة بقيمتها عام 2021.
وكان لأزمة قطاع العقارات في الصين تداعيات كبيرة، حيث أثرت بشكل خاص على صناعة الظل المصرفية. ويتجلى هذا التأثير في الصراعات المالية التي تواجهها مجموعة "تشونغزي"، أكبر شركة ائتمانية في الصين، والتي دفعتها نحو الإفلاس المالي بسبب أخطار الائتمان العقاري. واضطرت الحكومات المحلية، التي تعتمد بشكل كبير على العقارات، إلى طلب الإنقاذ من الحكومة المركزية. وعلى الرغم من الجهود الحكومية الحثيثة لتحقيق الاستقرار في سوق العقارات، فقد تبددت ثقة المستهلك في الإسكان باعتباره فئة استثمارية لزيادة قيمته، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع معدل الادخار في الصين إلى مستويات غير مسبوقة وإلى تدفق المستهلكين على اكتناز الذهب.
تحولات 2023
يمثل عام 2023 نقطة تحول في رحلة الصين كقوة اقتصادية عالمية، إذ انخفضت مساهمة الدولة في الاقتصاد العالمي من حوالي 18 في المئة عام 2022 إلى ما يقدر بنحو 15 في المئة عام 2023.