مع تجاوز الصراع بين إسرائيل وحماس شهره الثالث، يتعرض الشرق الأوسط الكبير لتهديد متزايد بسبب التصعيد المحتمل والشكوك الاستراتيجية غير المسبوقة. يوما بعد يوم، تقع اعتداءات وأحداث كبرى في أماكن مثل البحر الأحمر وبيروت وبغداد وطهران، وكل منها تحمل القدرة على إشعال صراع أوسع يمتد إلى ما هو أبعد من قطاع غزة.
من بين العناصر الأساسية التي تعمل على تأجيج عدم الاستقرار الإقليمي، يبرز بشكل كبير الخلاف السياسي بشأن رؤية مشتركة للطريقة التي يمكن أن تنهي الحرب بين إسرائيل و"حماس" وطبيعة نتائجها المحتملة، لآن إسرائيل و"حماس"، الخصمين الرئيسيين، يحملان طموحات سياسية متضاربة للغاية، ما يعني أن الأمل ضئيل في التوصل إلى حل دبلوماسي شامل ودائم في أي وقت قريب.
وما يزيد الأمور تعقيداً هو التناقض بين رؤيتي إسرائيل والولايات المتحدة للنتيجة المثلى التي يمكن أن تلي الصراع عقب نهايته. هناك اختلال ملحوظ في مقاربات الطرفين الأساسية لحل الصراع. في المرحلة الأولية التي أعقبت عدوان "حماس" على إسرائيل، أيد الرئيس الأميركي جو بايدن بقوة حق إسرائيل في الدفاع عن النفس وأيد هدفها السياسي المتمثل في تفكيك "حماس".
ولكن، في الأسابيع الأخيرة، طفت على السطح خلافات سياسية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، سواء فيما يتعلق بالقضايا قصيرة المدى مثل نطاق وطبيعة العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، أو فيما يتعلق بالمسائل طويلة المدى حول ما يجب أن يحدث بعد انتهاء هذا الصراع.
اقرأ أيضا: حياة مسيحيي فلسطين على بُعد 76 كيلومترا من غزة
فبد أن أمضت إدارة بايدن ما يقرب من ثلاث سنوات في السلطة وهي لا تعطي أي أولوية للقضية الفلسطينية مقارنة بقضايا الشرق الأوسط الأخرى، نفضت الغبار مؤخرا عن حل الدولتين الذي كان جزءا من قواعد اللعبة في السياسة الخارجية الأميركية لكل إدارة تقريبا منذ نهاية الحرب الباردة. كما دعت إلى إنعاش السلطة الفلسطينية، وهي هيئة الحكم الذاتي المؤقت الذي يتمتع بسلطة محدودة في أجزاء من الضفة الغربية، ليكون لها دور في غزة.
بالمقابل، فإن وجهة نظر إسرائيل بشأن نهاية اللعبة ليست واضحة تماما، ولعل مرد ذلك تعدد الأصوات الصادرة عن الحكومة الإسرائيلية الحالية، ولكن قد يكون السبب أيضا مرتبطا بعدم وجود إجماع داخل المجتمع الإسرائيلي نفسه وأزمة الهوية الوطنية المستمرة منذ عقود. والحال أن إسرائيل، لعقود من الزمن، لم تكن يوما من الأيام قادرة على التصالح مع الكيفية التي تسعى بها إلى تعريف نفسها في علاقتها بجيرانها، بما في ذلك جيرانها المباشرين، أي الشعب الفلسطيني.