تطرح بعض الجهات الاقتصادية تساؤلات جوهرية عن جغرافيا توظيف الفوائض المالية العربية، وتسأل لماذا لا تستثمر في أوطانها وبقية الدول العربية؟ هناك حقائق اقتصادية مهمة دفعت الدول المنتجة للنفط الى توظيف الأموال في الأسواق المالية العالمية، في أدوات الاستثمار المسعرة بموجب قواعد واضحة، والمدرجة في الأسواق سواء أكانت أسهم حقوق الملكية أم أدوات الدين. كما أن هناك أموالاً وظفت على شكل استثمارات مباشرة في شركات جديدة أو غير مدرجة في الأسواق أو في عقارات، وأيضا في ودائع لآجال متفاوتة.
محدودية الاستيعاب والفرص
تملك الصناديق السيادية العربية أصولاً مهمة في مختلف دول العالم تقدر بأكثر من ثلاثة تريليونات دولار. وقد بدأت الدول الخليجية المنتجة للنفط بتأسيس صناديقها منذ عام 1953 عندما قررت حكومة الكويت أن تؤسس مكتباً للاستثمار في لندن ولحقت بها دول الخليج الأخرى، السعودية والإمارات وقطر وعمان والبحرين، في تأسيس صناديقها السيادية خلال السنوات اللاحقة، وتحديداً بعد صدمة النفط الأولى في عام 1974.
لم يكن ممكناً آنذاك استثمار الأموال التي توافرت على شكل فوائض أو توظيفها داخل الاقتصادات الوطنية لمحدودية الاستيعاب وعدم وجود فرص استثمارية واعدة، وكذلك لعدم توافر أسواق مالية يمكن أن توظف خلالها بقدر محسوب من المخاطرة والسيولة وتحقيق العوائد المواتية. أما الدول العربية الأخرى التي يمكن أن تكون دولا مضيفة للاستثمار، فقد ظلت أوضاعها الاقتصادية غير مناسبة، وعانت من أسعار صرف غير مستقرة لعملاتها الوطنية، ولم تتمتع بقوانين ملائمة لحماية الاستثمار وتوفير الأمان للمستثمرين. كما أن تلك الدول العربية لم تتوفر لديها أسواق مالية تؤمّن أدوات مسعرة مقبولة.