أدى التوتر المتعاظم جراء الهجمات التي شنها المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران على الملاحة الدولية في البحر الأحمر إلى زيادة كبيرة في احتمالات حدوث تصعيد كبير للصراع في غزة.
وفي الوقت الذي يعمل فيه زعماء العالم على الحد من التأثير الإقليمي للحرب بين إسرائيل و"حماس"، تزيد هجمات المتمردين الحوثيين المستمرة من خطر حدوث سوء تقدير يؤدي إلى تصعيد الصراع أبعد من حدود غزة.
وجاءت هجمات الحوثيين الأولى على إسرائيل أواخر أكتوبر/تشرين الأول عقب انطلاق قوات الدفاع الإسرائيلية في هجومها البري على غزة، ليظهر الحوثيون تحالفهم مع "حماس" بمهاجمة السفن الدولية التي يدعون أن لها علاقات مع الدولة اليهودية، وفوق ذلك، أطلقوا على إسرائيل صواريخ كروز وطائرات بدون طيار اعترضت السفن الحربية الغربية معظمها ودمرتها.
ولكن مع إصدار الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وعشر دول أخرى إعلانا رسميا يدعو الحوثيين إلى وقف هجماتهم "التي تزعزع الاستقرار بشدة" في البحر الأحمر، إذا أرادوا تجنب العواقب، لم يعد من الممكن استبعاد إمكان تطور التوتر في المنطقة إلى مواجهة كبيرة بين هذه الدول من جهة والحوثيين وحلفائهم من جهة أخرى.
وكانت حكومة المملكة المتحدة على الأخص صريحة على نحو جلي في إدانة تصرفات الحوثيين، التي تؤثر تأثيرا عميقا على طرق الملاحة العالمية في المنطقة. ولم يتأخر غرانت شابس، وزير الدفاع البريطاني، في تحذير الحوثيين، الذين يشكلون جزءا مما يسمى بمحور طهران المقاوم، من أن بريطانيا "لن تتردد في اتخاذ الإجراءات الضرورية والمناسبة" ضدهم.
ويتباحث مسؤولو الدفاع البريطانيون مع نظرائهم الأمريكيين لتقييم الخيارات العسكرية المتاحة للتعامل مع التهديد الذي يشكله الحوثيون على الملاحة العالمية. وقد يشمل ذلك نشر طائرات حربية بريطانية وسفن تابعة للبحرية الملكية للعمل جنبا إلى جنب مع الجيش الأميركي وحلفاء آخرين لاستهداف مواقع الحوثيين في البر أو البحر.
أحد الاحتمالات التي ينظر فيها هو تنفيذ غارات جوية ضد أهداف الحوثيين في اليمن.
أحد الاحتمالات التي ينظر فيها هو تنفيذ غارات جوية ضد أهداف الحوثيين في اليمن، على الرغم من أن المسؤولين يخشون أن يؤدي ذلك إلى تصعيد الصراع. والخيار الآخر هو استخدام أساليب أكثر سرية، مثل نشر قوات خاصة يمكنها تعطيل محركات الزوارق السريعة الحوثية، أو استخدام المتفجرات لإغراقها وهي بَعْد في الميناء.
وأوردت وسائل الإعلام البريطانية تقارير أكدت بالفعل أن القوات الخاصة قد دمرت سفنا استخدمها الحوثيون لمهاجمة الملاحة العالمية.
ويأتي تشدد موقف المملكة المتحدة من الحوثيين في الوقت نفسه الذي حذر فيه البيان الصادر عن 12 دولة من أن "تصعيدا كبيرا" حدث مع هجمات الأسبوع الماضي التي استهدفت السفن التجارية بالصواريخ مع محاولات لاختطاف بعضها. وجاء في البيان الذي أصدرته الولايات المتحدة مع أستراليا والبحرين وبلجيكا وبريطانيا وكندا والدنمارك وألمانيا وإيطاليا واليابان وهولندا ونيوزيلندا: "لتكن رسالتنا الآن واضحة: إننا ندعو إلى الوقف الفوري لهذه الهجمات غير القانونية وإلى الإفراج فورا عن السفن وطواقمها المحتجزين على نحو غير قانوني."
وأضاف البيان: "سيتحمل الحوثيون مسؤولية العواقب إنْ هم استمروا في تهديد الأرواح والاقتصاد العالمي والتدفق الحر للتجارة في الممرات المائية الحيوية في المنطقة".
وتقود الولايات المتحدة، التي زادت بشكل كبير من وجودها البحري في المنطقة في أعقاب هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول، المحاولات الرامية إلى إحباط هجمات الحوثيين على الشحن الدولي. كما تعترض السفن الحربية البريطانية والفرنسية صواريخ الحوثيين وزوارقهم السريعة.
وفي واشنطن حذر مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية أن الولايات المتحدة وإن تصرفت حتى الآن على نحو "دفاعي" إلا أن صبرها على تكتيكات الحوثيين آخذ في النفاد. وقال إنه لن يكون هنالك تحذير آخر بعد هذا التحذير.
وشدد المسؤول على الولايات المتحدة. استعدادها للرد بشكل حاسم على أي تهديدات لأفرادها أو مصالحها، مشيرة إلى الضربات الجوية الأمريكية الأخيرة على الميليشيات المدعومة من إيران في العراق كنموذج محتمل للعمل ضد الحوثيين. وأشار إلى الوجود البحري الأميركي الكبير قبالة الساحل اليمني، ووصفه بأنه رادع هائل للأنشطة المسلحة.
قد تلجأ الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة إلى استخدام أساليب أكثر سرية، مثل نشر قوات خاصة يمكنها تعطيل محركات الزوارق السريعة الحوثية، أو استخدام المتفجرات لإغراقها وهي بَعْد في الميناء.
أما إيران التي يعتقد أنها تزود الحوثيين بتكنولوجيا الطائرات المسيرة والصواريخ المستخدمة في مهاجمة الملاحة الدولية، فقد أرسلت فرقاطة بحرية إلى البحر الأحمر ردا منها على زيادة الوجود البحري الغربي الكبيرة في المنطقة، مما يزيد من احتمالات حدوث مواجهة مباشرة بين طهران والغرب.
تتكثف الجهود الدولية لحماية الملاحة في المنطقة تجنبا لمزيد من تعطل طرق التجارة العالمية. فمضيق باب المندب الذي يبلغ عرضه 30 كيلومترا في البحر الأحمر يعد نقطة الوصول الرئيسة الى قناة السويس، التي يمر بها حوالي 12% من التجارة العالمية. ويوفر هذا الطريق ممرا حيويا لشحنات النفط القادمة من الخليج إلى أوروبا وأمريكا الشمالية.
كثيرة هي شركات الملاحة الدولية الكبرى التي لجأت إما الى تعليق عملياتها في منطقة البحر الأحمر أو لجأت بدلا من ذلك إلى إعادة توجيه سفنها لتسلك الطريق الأطول حول رأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقيا، وهذا يضيف حوالي 3000 إلى 3500 ميل بحري (6000 كيلومتر) إلى طول الرحلات التي تربط أوروبا بآسيا، أي إضافة حوالي 10 أيام إلى مدة الرحلة. وتتزايد المخاوف من أن فترات الشحن الأطول قد تغذي التضخم العالمي، إذ تضيف إعادة توجيه السفن ما يبلغ مليون دولار ثمنا للوقود الإضافي لكل رحلة بين آسيا وأوروبا ذهابا وإيابا، فيما تكاليف التأمين آخذة في الارتفاع أيضا.
علاوة على ذلك تأتي التوترات المتفاقمة في البحر الأحمر على خلفية الهجمات التي تحدث في أماكن أخرى من المنطقة، إذ يمكن لتلك الهجمات بدورها أن تثير تصعيد أوسع لأزمة غزة.
فالتفجير الذي وقع في حفل إحياء ذكرى اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، في مدينة كرمان بوسط البلاد هذا الأسبوع، أثار غضب آية الله علي خامنئي المرشد الأعلى للبلاد، الذي ألقى باللوم على من وصفهم بـ "أعداء أشرار ومجرمين" على الهجوم الذي أسفر عن مقتل وإصابة العشرات. وأعلن خامنئي أن "هذه الكارثة سيكون لها رد قاس إن شاء الله".
وفي هذه الأثناء جاءت غارة الطائرة المسيرة التي قتل فيها صالح العاروري، القيادي البارز في "حماس"، في المنطقة التي يسيطر عليها حزب الله في جنوب بيروت، لتدفع الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله إلى التحذير من أن منفذي الهجوم - الذي يعتقد أن الجيش الإسرائيلي نفذه - "لن يفلتوا من العقاب".
ومع تحذير رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن من المتوقع للحرب في غزة أن تستمر عدة أشهر قادمة، فإن احتمال تصاعد الصراع في غزة إلى حرب أوسع في الشرق الأوسط هو الآن أكبر من أي وقت مضى.